في قوالب متعددة؛ فجاء هوبز ليتملق ملوك عصره مطالباً بأن لهم الحق في سلطة مطلقة يستطيعون بها تنفيذ العقد الموهوم، وكذلك كان جان بودان (1596) وجروتس (1645) من المدافعين عن الحكم المطلق، ويعلل بودان ذلك بأن الحكم غير المطلق معرض للثورات والفتن وصراع الأحزاب، وينكر نظرية العقد المجتمع لأنها تمنح الفرد الشعور بالمشاركة في تكوين الدولة.
أما جروتس فيدافع عن الاستبدادية بذريعة أنها أفضل السبل لتطبيق القانون الطبيعي، وأن الناس إذ قد ارتضوا هذا النوع من الحكم، فليس من حقهم أبداً أن يتراجعوا عنه [1].
وفي القرن التاسع عشر تطورت هذه الفكرات إلى فكرة فلسفية معقدة على يد هيجل (1900)، ومدرسته التالية التي تمثل حلقة وصل بين العقائد المسيحية وبين النظريات الفلسفية المجردة، ولعل أعظم ما حققه أساتذتها هو تحويل الدين إلى فكر ومنطق.
فتحول الله إلى مطلق، والوحي إلى معرفة مطلقة، والمسيح إلى توسط، والشريعة إلى قانون مجرد، أي: أن العقيدة هي الحياة نفسها، والعقائد رموز تفكك إلى حقائق [2].
ويرى هيجل أن التاريخ هو عبارة عن (تطور منطقي قائم على أساس مفهوم التقدم نحو النظام والمعقولية والحرية)، والدولة ليست مصطنعة عن طريق عقد اجتماعي أو غيره، بل هي كائن طبيعي له وجوده المتميز إذ هي تجسيد للحرية التي يرنو إليها التطور التاريخي.
والتاريخ -في نظره- ظل يتطور وفق قانون: الجدلية حتى بلغ [1] الفكر السياسي قبل الأمير وبعده (ملحق لكتاب الأمير) (254 - 255). [2] سلسلة تراث الإنسانية (8/ 385).