بل من وجود المخلوقين المكلفين إنساً وجناً: ((وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)) [الذاريات:56].
والمختار من تعريفاتها ما قاله شَيْخ الإِسْلامِ ابن تيمية رحمه الله، وهو أنها: ((اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة)).
وقد أثبت رحمه الله في رسالة العبودية أن الدين كله داخل في العبادة مؤيداً ذلك بالأدلة الشرعية واللغوية.
وقد سبقت الإشارة إلى أن ذلك هو منطوق قوله تعالى: ((إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ)) [يوسف:40] وهو كذلك مفهوم قوله جل شأنه: ((وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ)) [البينة:5].
وزاد هذه الحقيقة إيضاحاً تلميذه ابن القيم -رحمه الله- الذي أسهب في بيان قواعد العبادة ومراتبها واستغراقها للنشاط البشري كله فقال: ((ورحى العبودية تدور على خمس عشرة قاعدة، من كملها كمل مراتب العبودية، وبيانها: إن العبودية منقسمة على القلب واللسان والجوارح، وعلى كل منها عبودية تخصه، والأحكام التي للعبودية خمسة: واجب، ومستحب وحرام ومكروه ومباح، وهي لكل واحد من القلب واللسان والجوارح)) [1].
ثم فصل القول في الجوارح فقال: أما العبوديات الخمس على الجوارح، فعلى خمس وعشرين مرتبة أيضاً؛ إذ الحواس خمس وعلى كل حاسة خمس عبوديات، وذكر كل نوع مع الشرح والتمثيل.
ويوضح هذا بتوسع ما قاله الشهيد سيد قطب -رحمه الله- عند [1] مدارج السالكين: (1/ 109).