الناحية المدنية؛ فمن التورانيين أخذ سكان الهند نسب أجسامهم، وتقاطيع وجوههم، وعن الآريين أخذ سكان الهند لغتهم ودينهم وقوانينهم، وسجاياهم وطبائعهم.
ولم يتوار الآريون بالامتزاج في الهند بسرعة، كما توارى العرب في مصر؛ لأن عدم التزاوج ثم نظام الطوائف الحاسم، حال دون امتزاجهم في الهند بالتورانيين المقهورين زمنًا طويلًا، ولكن الامتزاج على كل حال، تم بتعاقب القرون، ومع الامتزاج؛ فإننا نستطيعُ أن نَرى أنّ آثار الآريين الجسمانية لا تزال بارزة في الشمال الغربي؛ حتى العهد الحاضر، كما يقول "ويش".
ففي البنجاب نجد السكان أطول قامة، بشرتهم بيضاء، أو أميل إلى البياض، ملامحهم أدق، وهم بهذا يخالفون باقي الهنود، حيث تنتشر ملامح التورانيين، أو حيث توجد ملامح السكان الأصليين بالجنوب، وتقل ملامح الآريين كلما اتجهنا جنوبًا أو شرقًا، وبالتقاء الآريين والتورانيين مع السكان الأصليين بدأت الطبقات في الهند، وأصبحت ذات أهمية كبرى في تاريخ هذه البلاد.
فمن الآريين كانت طبقة رجال الدين البراهمة التي تساوي "برهمن" وطبقة المحاربين "كسترا"، ومن التورانيين تكونت طبقة التجار والصناع "فسيا"، أما الهنود الذين اتصلوا بالتورانيين؛ فلم يَدخلوا التقسيم في أول الأمر، ولكن الحضارة الآرية امتدت إلى بعضهم بمرور الزمن؛ فأوجد الآريين منهم الطبقة الرابعة، وجعلوها طبقة الخدم والعبيد "شودرا".
أما الذينَ لم تمتد لهم الحضارة الآرية من السكان الأصليين؛ لأنهم انعزلوا عن الفاتحين، فقد بقوا بعيدين عن التقسيم، وظلوا طريدي المجتمع أو منبوذين، وسنتكلم فيما بعد عن هذه الطبقة.