النفخة الثانية في الصور ... وبالجملة، فالقول بخروج الميت من قبره، وبروزه بشخصه لقضاء أغراض الأحياء - قوله مخالف للعقل والنقل" [1].
ولا يَرِدُ على ذلك أن الأنبياء أحياء في قبورهم، وكذلك الشهداء، ولا ما ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من أنه تُرَدُّ عليه روحه حتى يَرُدَّ السلام على من سَلَّمَ عليه [2]، فإن تلك حياة برزخية تختلف عن هذه الحياة؛ ولذا يُقْتَصَرُ في شأنها على ما ورد في النصوص، ثم إنه يلزم من ذلك: أن يُطَالَبُوا بالتكاليف، وأن يخرجوا ليجاهدوا أعداء الله، واللازم باطل، وإذا بطل اللازم بطل الملزوم.
إذن لم يثبت بدليل شرعي حصولُ رؤية النبي -صلى الله عليه وسلم- يقظة بعد موته -صلى اللَّه عليه وسلم-، بل الأدلة تدل على استحالة ذلك شرعًا، وغاية ما دلت عليه النصوص إمكانية الرؤيا المنامية، ورواية الجمهور للحديث المذكور في صدر الكلام تؤكد ترجيح ألفاظها على اللفظ المشكل الذي فيه: "من رآني في المنام فسيراني في اليقظة" [3]، فهذه الرواية فيها تعليق الجواب على الشرط، وذلك يستلزم أن من رآه -صلى اللَّه عليه وسلم- في المنام يراه في اليقظة، وهذا مخالف للحس والواقع، فقد رآه -صَلَّى الله عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ- جمعٌ كثير من سلف الأمة وخَلفها في المنام، ولم يذكر أحد منهم أنه رآه -صلى الله عليه وسلم- في اليقظة بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى، ومعلوم أن خبر الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم- لا يتخلف أبدًا [4]، فدل هذا على مرجوحية اللفظ المشكِل ووجوب تأويله.
(1) "الإنصاف في حقيقة الأولياء وما لهم من الكرامات والألطاف" للصنعاني ص (51). [2] رواه أبو داود، وسكت عنه "سنن أبي داود" (6/ 26 - عون)، والإمام أحمد في "مسنده" (2/ 527)، وصحح ابن القيم إسناده، كما في "عون المعبود" (6/ 30). [3] انظر: تخريجه ص (134) هامش (1). [4] انظر: "فتح الباري" (12/ 385).