طرق شرح كتاب التوحيد
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وارزقنا الإخلاص في القول والعمل، إنك على كل شيء قدير.
أما بعد: فإن الدرس الذي سنبدأ فيه -بإذن الله تعالى- هو درس في (كتاب التوحيد) للشيخ المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى، وهذا الكتاب من الكتب المتميزة في شرح قضايا توحيد الألوهية شرحاً مفصلاً ودقيقاً إلى درجة كبيرة، وهذا الكتاب يمكن أن يشرح شرحاً طويلاً، ويستغرق سنوات طويلة، ويمكن أن يختصر شرحه في أسابيع بحسب طريقة الشرح، وطريقة العرض والمناقشة.
والطول والقصر في الدروس راجعان إلى الطريقة التي يتم بها الدرس، فيمكن أن تكون هناك طريقة متوسعة، بحيث يشرح فيها كل ما يتعلق بالآية أو الحديث أو المسائل التي ذكرها الشيخ، ويفصل في ذلك كثيراً، ويمكن أن يختصر ذلك، فيكون الشرح بطريقة التقعيد والتأسيس، ولهذا شرح الكتاب بهاتين الطريقتين: فشرحه بالطريقة الأولى الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في كتابه المشهور: (تيسير العزيز الحميد)، لكنه لم يكمل هذا الشرح، حيث قتل شهيداً -رحمه الله تعالى- على يد إبراهيم بن محمد علي باشا المتعصرن الذي جاء إلى نجد في تلك الفترة، وأتم هذا الشرح وأكمله عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في كتابه المشهور (فتح المجيد).
وفي هذه الطريقة الأولى -طريقة التوسع والتطويل- قد تذكر مسائل كثيرة لا صلة لها في موضوع التوحيد؛ لتضمن النص القرآني أو الحديث النبوي لها، أو المسألة التي أشار إليها الشيخ.
وهناك الشرح المختصر الذي يمكن أن يقتصر فيه على مسائل توحيد الألوهية بشكل مباشر، وبشكل منظم، وكان من أفضل هذه الشروح شرح الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله تعالى في كتاب (القول السديد في شرح كتاب التوحيد)، وهو كتاب مشهور ومطبوع، شرح فيه كتاب التوحيد شرحاً مختصراً جداً، حيث يأتي إلى الباب ويذكر فيه الكلام الأساسي الذي من أجله عقد الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله الباب.
والطريقة التي سنتبعها في الشرح بإذن الله تعالى هي أننا سنأخذ الأبواب الموجودة في كتاب التوحيد -وهي ستة وستون باباً- ونجعلها على شكل محاور وموضوعات أساسية، وهذه الموضوعات الأساسية يمكن تطويلها، ويمكن ضم بعضها إلى بعض، وقد جعلناها ثمانية محاور، وكل محور يوجد فيه عشرة أبواب أو أقل.
وهذه الطريقة في الدراسة يمكن أن نسميها الطريقة الموضوعية؛ لأنه ليس الهدف من دراسة الكتاب هو الوقوف على كل لفظة وشرحها، والحديث عنها بشكل مفصل، وإنما المقصود بيان الهدف الأساسي الذي أراد الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله أن يوصله إلى الناس من خلال كتابه هذا الذي هو (كتاب التوحيد).
والشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله لم يؤلف هذا الكتاب في مجلس واحد، وإنما ألفه في فترات متعددة، حيث كان يستعرض القرآن والأحاديث النبوية، ويجمع كل ما يتعلق بتوحيد الألوهية من الآيات والأحاديث، وبعد سنوات اجتمعت لديه مجموعة كبيرة من الآيات، ومجموعة كبيرة من الأحاديث، فصنفها على شكل أبواب، مثل طريقة العلماء السابقين، كطريقة الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه، فخرجت هذه الأبواب الموجودة، إلا أن كل كتاب يكون للمبوب له نظرة في تبويبه، وقد تكون هناك نظرة أخرى لغيره فيها، ولهذا اجتهدنا في هذه الطريقة التي هي محاولة تقسيم الكتاب على شكل محاور، ومناقشة هذه المحاور، ثم استعراض الكتاب، ثم استعراض هذه الأبواب، والتعليق عليها بشكل مختصر.