الدعوة إلى توحيد الألوهية
إن الدعوة إلى توحيد الألوهية هي حقيقة دعوة الرسل، فالرسل جميعاً يدعون إلى توحيد الألوهية، يقول الله عز وجل: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل:36].
فعبادة الله واجتناب الطاغوت هما مفهوم (لا إله إلا الله)، وهو توحيد الألوهية، وهذا يدل على أن التوحيد هو أول أمر يجب أن يبدأ به الإنسان في الدعوة إلى الله عز وجل، وينبغي على الداعي إلى الله عز وجل أن تكون العقيدة هي محور دعوته، وأن يربط كل قضايا دعوته بالعقيدة؛ لأن العقيدة هي أساس الدين، ولهذا لما أرسل النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً إلى اليمن قال له: (إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله)، وفي بعض الألفاظ: (إلى أن يوحدوا الله).
وهذا يدل على أن أول واجب يجب على الناس هو توحيد الله، وأول ما يجب أن ندعو إليه هو العقيدة والتوحيد.
وبهذا يتضح لنا فساد كثير من المناهج الضالة، ومن ذلك فساد حوار الأديان أو حوار الحضارات، وحوار الحضارات هو نفسه حوار الأديان؛ إلا أن كلمة (الأديان) حينما كانت حساسة جاء وابدلا عنها بكلمة الحضارات، والحضارات المقصود بها الطريقة التي تكون متبعة في الغالب لدين من الأديان؛ إذ الأديان ليست طريقة واحدة، وإنما هي طرق متعددة.
فمن الناس من يدعو إلى توحيد الأديان، فلا ينكر بعضهم على بعض، ولا يكفر بعضهم بعضاً، وهذه الدعوة بهذا المفهوم هي شرك وكفر؛ لأن ترك تكفير أهل الكتاب من الكفر، هذا النوع الأول.
ومن الناس من يدعو إلى حوار الأديان، كما يحصل لكثير من الدعاة إلى الله عز وجل، فيقولون: نحن ندعو إلى حوار الأديان، ويقولون: نحن نكفرهم، وإنما نسكت عن القضايا الخلافية، ونبحث في القضايا المشتركة فيما بيننا.
ومن القضايا المشتركة -مثلاً-: القضاء على الفقر والمخدرات، والتعاون على رفع الظلم عن المظلومين وعن الشعوب المضطهدة، وهكذا.
وأما القضايا التي يكون فيها خلاف بيننا وبين اليهود أو بيننا وبين النصارى فهذه لا نثيرها؛ لأنا إذا أثرناها سيصبح هناك خلاف.
فما هو حكم هذا النوع من أنواع الحوار؟ نقول: هذا بدعة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم والأنبياء من قبله كان بينهم وبين أقوامهم حوار، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتي إلى قومه ويحاورهم، فكيف كان حوار النبي صلى الله عليه وسلم مع قومه ومع أهل الأديان، وحوار الأنبياء السابقين مع أهل الأديان؟ لقد كان عن طريق دعوتهم إلى التوحيد، فقد كان الرسل يأتون إلى أقوامهم ويقولون لهم: ما أنتم عليه شرك أكبر، والواجب هو أن تسلموا لهذا الدين.
ثم يقومون بإثبات هذا الدين بالأدلة التفصيلية وإبطال دينهم بالأدلة التفصيلية.
أما حوار الأديان الموجود الآن فهو بدعة؛ لأنه يجتمع فيه مجموعة من القساوسة ومجموعة من المسلمين في مكان واحد، ولا يقول المسلمون للقساوسة أسلموا، ولا يقولون لهم: هذا الدين خير لكم، ونحن نثبت لكم بالبراهين والأدلة أن الإسلام دين صحيح وأن دين النصرانية فاسد، بل يتواصون بترك ذلك، ويقولون: لا نريد أن نثير الخلاف فيما بيننا، فأنتم لكم خصائص دينكم، ونحن لنا خصائص ديننا، وأنتم ترون ديننا باطلاً، ونحن نرى دينكم باطلاً، ولكننا لا نريد النقاش في هذا الموضوع؛ لأن هذا الموضوع يفرق بيننا، ونحن لا نريد أن نتفرق، بل نريد أن نجتمع، فيتناقشون في دفع الفقر، فيقولون: هناك بلاد فقيرة، فلنتعاون على أن ندفع الفقر الموجود فيها، أو يقولون: هناك شعوب مضطهدة نريد أن ندافع عنها.
والمسلمون الذين يشاركون في حوار الأديان عندما يدخلون فيها يكون هدفهم هو تحريك النصارى لإنكار عمل اليهود في فلسطين، ومع هذا ما استطاعوا أن يصنعوا شيئاً، وربما أنكرت مجموعة منهم، ومجموعة لم تنكر.
ومن أهداف أولئك المحاورين من المسلمين ما يعبرون عنه بقولهم: إننا نعيش في مرحلة استضعاف، وما دام أننا نعيش في مرحلة استضعاف فمن الخطأ الكبير أن يكون بيننا وبين الحضارات الأخرى -مثل: الحضارة الغربية- صدام، فهذا لا يمكن؛ لأننا لا نستطيع الصدام.
ولهذا فإن الذين يدعون إلى حوار الحضارات يجرون في ركب الحضارة القوية ويتابعونها، ويقولون: نحن لا نريد الصراع بين الحضارات.
مع أن الحقيقة هي أن الصراع مستمر بين الحق والباطل، سواءٌ أكان هذا الحق ديناً أم حضارة وسواء أكان الباطل ديناً أم حضارة، فلابد من الصراع.
والواجب هو الالتزام بالحق والدفاع عنه، ودعوة الناس إليه، بأن نقول لهم: ندعوكم إلى هذا الدين بالبراهين ولترك ما أنتم عليه من الدين؛ لأن فيه فساداً.
وبهذه الطريقة نستطيع أن ندخل معهم في الدعوة، أما أن نسكت عن القضايا الخلافية فلا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم عندما جاء إلى كفار قريش لم يسكت عن القضايا الخلافية، مثل عبادة الأصنام، ومثل عدم تصديق النبوة الجديدة، ولم يقل: علينا أن نجتمع ليصير بيننا وبينك