فَيُقَالُ في مثل هذا: {قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ} فإنه ما يعلم بذلك إلا قليل من الناس، ممن أَطلعه الله عليه؛ فلهذا قال: {فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا}؛ أي: لا تُجْهِدْ نفسك فيما لا طائِلَ تحته، ولا وتسأَلهم عن ذلك؛ فإنهم لا يعلمون من ذلك إلا رجم الغيب، فهذا أَحسن ما يكون في حكاية الخلاف: أَن تُستَوعَبَ الأقوال في ذلك المقام، وأن يُنبَهَ على الصحيح منها، ويُبْطَلَ الباطل، وتُذْكَرَ فَائِدَةُ الخلاف، وثَمَرَتُهُ؛ لئلا يطول النزاع، والخلاف فيما لا فائدة تحته، فَيُشْتَغَلَ به عن الأَهَم. فأَمَّا من حكى خلافا في مسألة، ولم يستوعب أَقْوَالَ الناس فيها فهو ناقص؛ إذ قد يكون الصواب في الذي تركه، أو يحكى الخلاف ويطلقه، ولا ينبه على الصحيح من الأقوال، فهو ناقص -أيضا- فإن صحح غير الصحيح عامدًا، فقد تعمد الكذبَ، أو جاهلا فقد أخطأَ، كذلك من نصب الخلافَ فيما لا فائدةَ تحته، أو حكى أَقوالًا متعددة لفظًا، ويرجع حاصلها إلى قول، أو قولين معنى، فقد ضَيَّعَ الزمان، وتكَثَّر مما ليس بصحيح، فهو كلابس ثَوْبَي زور، والله الموفق للصواب" [1].
مَوْقِفُ الْحَافظ ابْنِ كَثِيرٍ مِن
الْقِسْمِ الثَّالِثِ مِن الإِسْرَائيليَّاتِ
قال -رحمه الله تعالى- في مقدمة "البداية والنهاية":
"ولسنا نَذْكُرُ من الإسرائيليات إلا ما أذن الشارع في نقله مما لا يخالف كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-؛ وهو القسمُ
(1) "نفسه" (46، 47).