"ولهذا لم تَحْتَجِ الأمة مع رسولها وكتابها إلى نبي آخر، وكتاب آخر، فضلًا عن أن تحتاج إلى شيء لا يستقل بنفسه عن غيره، سواء كان من علم المحدَّثين والملهمين، أو من علم أرباب النظر والقياس الذين لا يعتصمون مع ذلك بكتابٍ مُنَزَّلٍ من السماء" [1].
ونقل القرطبيُّ في "التذكرة" عن الحافظ أبي الْخَطَّاب بن دحية أنه قال عن "دانيال": "نبيّ من أنبياء بني إسرائيل، كَلَامه عبراني، وهو على شريعة موسى بن عمران، وكان قبل عيسى ابن مريم بزمان، ومن أسند مثل هذا إلى نبي عن غير ثقة أو توقيف من نبينا -صلى الله عليه وسلم-؛ فقد سقطت عدالته، إلى أن يُبين وضعه، لتصح أمانته، وقد ذكر في هذا الكتاب من الملاحم، وما كان من الحوادث، وسيكون، وجمع فيه التنافي والتناقض بين الضب والنون، وأغرب فيما أعرب في روايته عن ضرب من الهوس والجنون، وفيه من الموضوعات ما يُكَذِّبُ آخِرُهَا أَوَّلَهَا، ويتعذر على المتأول لها تأويلُها، وما يتعلق به جماعة الزنادقة، من تكذيب الصادق المصدوق محمد -صلى الله عليه وسلم- أن في سنة ثلاثمائة يظهر الدجَّال من يهودية أصبهان، وقد طعنَّا في أوائل سبعمائة في هذا الزمان، وذلك شيء ما وقع ولا كان، ومن الموضوع فيه المصنوع، والتهافت الموضوع، الحديث الطويل الذي استفتح به كِتَابَهُ، فهلا اتقى الله! وَخَافَ عِقَابَهُ! وإِنَّ من أفضح فضيحة في الدين نقلَ مثل هذه الإسرائيليات عن المتهودين؛ فإنه لا طريق فيما ذُكِرَ عن دانيال إلا عنهم، ولا رواية تُؤْخَذُ في ذلك إلا منهم " [2].
(1) "نفسه"، (17/ 41 - 46) باختصار.
(2) "التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة"، (716 - 717).