وعن يُسَيْر بن جابر قال:
هاجت ريح حمراء بالكوفة، فجاء رجل ليس له هِجِّيرَى إلا: "يا عبد الله بن مسعود! جاءت الساعة، قال: فقعد، وكان متكئا، فقال: إن الساعةَ لا تقوم حتى لا يُقْسَمَ ميراث، ولا يُفرحَ بغنيمة، ثم قال بيده هكذا- ونحَّاها نحو الشام- فقال: عدو يجمعون لأهل الإسلام، ويجمع لهم أهل الإسلام " [1] الحديث.
قال القرطبي- رحمه الله تعالى-:
"والذي ينبغي أن يُقال به في هذا الباب أنما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من الفتن والكوائن أن ذلك يكون، وتعيين الزمان في ذلك من سنة كذا يحتاج إلى طريق صحيح يقطع العذر" [2]. اهـ.
لقد كان من هدي السلف -رحمهم الله تعالى- أنهم لا يُنَزِّلون أحاديث الفتن على واقع حاضر؛ وإنما يَرَوْنَ أصدق تفسير لها، وقوعها مطابقة لخبر النبي [3] - صلى الله عليه وسلم-؛ ولذلك نلاحظ أن عامَّة [1] تقدم ص (261).
(2) "التذكرة" ص (736). [3] ومما يستأنس به في هذا المقام ما رواه مسلم رقم (2452)، بسنده إلى أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أسرعُكنَّ لِحاقًا بي: أطولكن يدًا"، قالتْ "فكُنَّ يتطاولْنَ أيتهن أطول يدًا"، قالت: "فكانت أطولنا يدًا زينب؛ لأنها كانت تعملُ بيدها وتَصَدَّقُ ". فقولها -رضي الله عنها-: "فكانت أطولنا يدًا زينب " معناه: أنهن ظنن أن المراد بطول اليد طول اليد الحقيقية، وهي الجارحة، فكن يذرعن أيديهن بقصبة، فكانت سودة أطولهن جارحة، وكانت زينب أطولهن يدًا في الصدقة وفعل الخير، فماتت زينب أولهن، فعلموا أن المراد طول اليد في الصدقة والجود. قال أهل اللغة: "فلان طويل اليد، وطويل الباع "، إذا كان سَمْحًا جوادًا، وضده: قصير اليد والباع، وجَعْدُ الأنامل، أي: البخيل اللئيم.