إنه هروب إلى الأماني، مع تعطيل الأسباب الشرعية، والله تعالى يقول: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (123)} [النساء].
أَمَانِيُ إِنْ تَكُ حَقا تَكُنْ أَحْسَنَ المنى ... وَإلَّا فَقَدْ عِشْنَا بِهَا زَمَنًا رَغَدا
إن هذا الإغراق في ترقب ظهور المهدي مظهر سلبي يعكس الانحراف في فَهم العَلاقة بين الأمور الكونية القدرية، وبين الأمور الشرعية الإرادية؛ أما الأمور الكونية، والأحكام القدرية -والتي يقع ضمنَها الغُيوبُ المستقبلية- فهي واقعة لا محالة، وواجبنا حيالها التصديق بها قبل وقوعها، ثم امتثال الأحكام الشرعية المتعلقة بها إذا حضر وقتها. وأما الأحكام الشرعيةُ الإراديةُ الطلبية فنحن متعبدون في كل وقت بامتثالها.
وما أصدق ما نُسِبَ إلى جعفر الصادق -رحمه الله تعالى- من قوله- لمن خاض في الأحكام القدرية، وانشغل بها عن واجب الوقت-: "إن الله أراد بنا أشياء، وأراد منا أشياء، فما أراده بنا أخفاه عنا، وما أراده منا بينه لنا، فما بالنا ننشغل بما أراده بنا عما أراده منا؟! ".
= ويقول الشاعر متهكما بهم:
مأ آنَ للسردابِ أن يَلِدَ الذي ... كَلمتموه بحهلِكم ما آنا
فعلى عقولِكُمُ العَفاءُ فإنكم ... ثَلَّثتُمُ العنقاءَ والغِيلانا
ولقد ضاق الرافضة بهذه السخرية ذرعا، حتى قالوا في مناشدتهم مهديِّهم الخرافي: "اخرج يا مولانا! فقد طال الانتظار، وشمت بنا الفجار" كما في "أصول مذهب الشيعة" للقفاري (2/ 1030).