responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : شرح الطحاوية - ط دار السلام نویسنده : ابن أبي العز    جلد : 1  صفحه : 258
هِيَ مُوَافَقَةُ الْأَمْرِ الدِّينِيِّ الشَّرْعِيِّ، لَا مُوَافَقَةُ الْقَدَرِ وَالْمَشِيئَةِ، وَلَوْ كَانَ مُوَافَقَةُ الْقَدَرِ طَاعَةً لَكَانَ إِبْلِيسُ مِنْ أَعْظَمِ الْمُطِيعِينَ لَهُ، وَلَكَانَ قَوْمُ نُوحٍ وَهُودٍ وَصَالِحٍ وَلُوطٍ وَشُعَيْبٍ وَقَوْمُ فِرْعَوْنَ كُلُّهُمْ مُطِيعِينَ! وَهَذَا غَايَةُ الْجَهْلِ، لَكِنْ إِذَا شَهِدَ الْعَبْدُ عَجْزَ نَفْسِهِ، وَنُفُوذَ الْأَقْدَارِ فِيهِ، وَكَمَالَ فَقْرِهِ إِلَى رَبِّهِ، وَعَدَمَ اسْتِغْنَائِهِ عَنْ عِصْمَتِهِ وَحِفْظِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ: كَانَ بِاللَّهِ فِي هَذِهِ الْحَالِ لَا بِنَفْسِهِ، فَوُقُوعُ الذَّنْبِ مِنْهُ لَا يَتَأَتَّى فِي هَذِهِ الْحَالِ أَلْبَتَّةَ، فإن عليه حصنا حصينا، فَبِي يَسْمَعُ، وَبِي يُبْصِرُ، وَبِي يَبْطِشُ، وَبِي يَمْشِي، فَلَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الذَّنْبُ فِي هَذِهِ الْحَالِ، فَإِذَا حُجِبَ عَنْ هَذَا الْمَشْهَدِ وَبَقِيَ بِنَفْسِهِ، اسْتَوْلَى عَلَيْهِ حُكْمُ النَّفْسِ، فَهُنَالِكَ نُصِبَتْ عَلَيْهِ الشِّبَاكُ وَالْأَشْرَاكُ، وَأُرْسِلَتْ عَلَيْهِ الصَّيَّادُونَ، فَإِذَا انْقَشَعَ عَنْهُ ضَبَابُ ذَلِكَ الْوُجُودِ الطَّبْعِيِّ، فَهُنَالِكَ يَحْضُرُهُ النَّدَمُ وَالتَّوْبَةُ وَالْإِنَابَةُ، فَإِنَّهُ كَانَ فِي الْمَعْصِيَةِ مَحْجُوبًا بِنَفْسِهِ عَنْ رَبِّهِ، فَلَمَّا فَارَقَ ذَلِكَ الْوُجُودَ صَارَ فِي وُجُودٍ آخَرَ، فَبَقِيَ بِرَبِّهِ لَا بِنَفْسِهِ.
فَإِنْ قِيلَ: إِذَا كَانَ الْكُفْرُ بِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ، وَنَحْنُ مَأْمُورُونَ أَنْ نَرْضَى بِقَضَاءِ اللَّهِ، فَكَيْفَ نُنْكِرُهُ وَنَكْرَهُهُ؟!
فَالْجَوَابُ: أن يقال أولا: نحن غير مأمورين بالرضى بِكُلِّ مَا يَقْضِيهِ اللَّهُ وَيُقَدِّرُهُ، وَلَمْ يَرِدْ بِذَلِكَ كِتَابٌ وَلَا سُنَّةٌ، بَلْ مِنَ الْمَقْضِيِّ مَا يُرْضَى بِهِ، وَمِنْهُ مَا يُسْخَطُ وَيُمْقَتُ، كَمَا لَا يَرْضَى بِهِ الْقَاضِي لِأَقْضِيَتِهِ سُبْحَانَهُ، بَلْ مِنَ الْقَضَاءِ مَا يُسْخَطُ، كَمَا أَنَّ مِنَ الْأَعْيَانِ الْمَقْضِيَّةِ مَا يُغْضَبُ عَلَيْهِ وَيُمْقَتُ وَيُلْعَنُ وَيُذَمُّ.
وَيُقَالُ ثَانِيًا: هُنَا أَمْرَانِ: قَضَاءُ اللَّهِ، وَهُوَ فِعْلٌ قَائِمٌ بِذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى. ومفضي: وَهُوَ الْمَفْعُولُ الْمُنْفَصِلُ عَنْهُ. فَالْقَضَاءُ كُلُّهُ خَيْرٌ وَعَدْلٌ وَحِكْمَةٌ، نَرْضَى بِهِ كُلِّهِ. وَالْمَقْضِيُّ قِسْمَانِ: مِنْهُ مَا يُرْضَى بِهِ، وَمِنْهُ مَا لَا يُرْضَى بِهِ.
وَيُقَالُ ثَالِثًا: الْقَضَاءُ لَهُ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: تَعَلُّقُهُ بِالرَّبِّ تَعَالَى وَنِسْبَتُهُ إِلَيْهِ، فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ يُرْضَى بِهِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: تَعَلُّقُهُ بِالْعَبْدِ وَنِسْبَتُهُ إِلَيْهِ، فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ يَنْقَسِمُ إِلَى مَا يُرْضَى بِهِ وَإِلَى مَا لَا يُرْضَى بِهِ. مِثَالُ ذَلِكَ: قَتْلُ النَّفْسِ، لَهُ اعْتِبَارَانِ: فَمِنْ حَيْثُ قَدَّرَهُ اللَّهُ وَقَضَاهُ وَكَتَبَهُ وَشَاءَهُ وَجَعَلَهُ أَجَلًا لِلْمَقْتُولِ وَنِهَايَةً لِعُمُرِهِ يُرْضَى به، ومن حيث صدر من القتل وَبَاشَرَهُ وَكَسَبَهُ وَأَقْدَمَ عَلَيْهِ بِاخْتِيَارِهِ وَعَصَى اللَّهَ بِفِعْلِهِ, نَسْخَطُهُ وَلَا نَرْضَى بِهِ.

نام کتاب : شرح الطحاوية - ط دار السلام نویسنده : ابن أبي العز    جلد : 1  صفحه : 258
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست