responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : شرح الطحاوية - ط دار السلام نویسنده : ابن أبي العز    جلد : 1  صفحه : 431
وَالْإِنْسِ} [الأعراف: 179] الآية. وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: دُعِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى جَنَازَةِ صَبِيٍّ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، طُوبَى لِهَذَا، عُصْفُورٌ مِنْ عَصَافِيرِ الْجَنَّةِ، لَمْ يَعْمَلْ سُوءًا وَلَمْ يُدْرِكْهُ، فَقَالَ: أَوَ غَيْرَ ذَلِكَ يَا عَائِشَةُ، إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ لِلْجَنَّةِ أَهْلًا، خَلَقَهُمْ لَهَا وَهُمْ فِي أَصْلَابِ آبَائِهِمْ، وَخَلَقَ لِلنَّارِ أَهْلًا، خَلَقَهُمْ لَهَا وَهُمْ فِي أَصْلَابِ آبَائِهِمْ"[1]. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ, وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا، إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} [الدَّهْرِ: 2, 3]. وَالْمُرَادُ الْهِدَايَةُ الْعَامَّةُ، وَأَعَمُّ مِنْهَا الْهِدَايَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طَهَ: 50]. فَالْمَوْجُودَاتُ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا مُسَخَّرٌ بِطَبْعِهِ، وَالثَّانِي مُتَحَرِّكٌ بِإِرَادَتِهِ فَهَدَى الْأَوَّلَ لِمَا سَخَّرَهُ لَهُ طَبِيعَةً، وَهَدَى الثَّانِي هِدَايَةً إِرَادِيَّةً تَابِعَةً لِشُعُورِهِ وَعِلْمِهِ بِمَا يَنْفَعُهُ وَيَضُرُّهُ, ثُمَّ قَسَّمَ هَذَا النَّوْعَ إِلَى ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ: نَوْعٌ لَا يُرِيدُ إِلَّا الْخَيْرَ وَلَا يَتَأَتَّى مِنْهُ إِرَادَةُ سِوَاهُ، كَالْمَلَائِكَةِ، وَنَوْعٌ لَا يُرِيدُ إِلَّا الشَّرَّ وَلَا يَتَأَتَّى مِنْهُ إِرَادَةُ سِوَاهُ، كَالشَّيَاطِينِ، وَنَوْعٌ يَتَأَتَّى مِنْهُ إِرَادَةُ الْقِسْمَيْنِ، كَالْإِنْسَانِ, ثُمَّ جَعَلَهُ ثَلَاثَةَ أَصْنَافٍ: صِنْفًا يَغْلِبُ إِيمَانُهُ وَمَعْرِفَتُهُ وَعَقْلُهُ هَوَاهُ وَشَهْوَتَهُ، فَيَلْتَحِقُ بِالْمَلَائِكَةِ. وَصِنْفًا عَكْسُهُ، فَيَلْتَحِقُ بِالشَّيَاطِينِ, وَصِنْفًا تَغْلِبُ شَهْوَتُهُ الْبَهِيمِيَّةُ عَقْلَهُ، فَيَلْتَحِقُ بِالْبَهَائِمِ. وَالْمَقْصُودُ: أَنَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْطَى الْوُجُودَيْنِ: الْعَيْنِيَّ وَالْعِلْمِيَّ، فَكَمَا أَنَّهُ لَا مَوْجُودَ إِلَّا بِإِيجَادِهِ، فَلَا هِدَايَةَ إِلَّا بِتَعْلِيمِهِ، وَذَلِكَ كُلُّهُ مِنَ الْأَدِلَّةِ عَلَى كَمَالِ قُدْرَتِهِ، وَثُبُوتِ وَحْدَانِيَّتِهِ، وَتَحْقِيقِ رُبُوبِيَّتِهِ، سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
وَقَوْلُهُ: فَمَنْ شَاءَ مِنْهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ فَضْلًا مِنْهُ، وَمَنْ شَاءَ مِنْهُمْ إِلَى النَّارِ عَدْلًا مِنْهُ ... إِلَخْ, مِمَّا يَجِبُ أَنْ يُعْلَمَ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَمْنَعُ الثَّوَابَ إِلَّا إِذَا مَنَعَ سَبَبَهُ، وَهُوَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ، فَإِنَّهُ: {مَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا} [طَهَ: 112]. وَكَذَلِكَ لَا يُعَاقِبُ أَحَدًا إِلَّا بَعْدَ حُصُولِ سَبَبِ الْعِقَابِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشُّورَى: 30]. وَهُوَ سُبْحَانُهُ الْمُعْطِي الْمَانِعُ، لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَى، وَلَا معطي لما منع.

[1] صحيح، وهو مخرج في "ظلال الجنة تخريج السنة" لابن أبي عاصم "251".
نام کتاب : شرح الطحاوية - ط دار السلام نویسنده : ابن أبي العز    جلد : 1  صفحه : 431
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست