responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : شرح الطحاوية - ط دار السلام نویسنده : ابن أبي العز    جلد : 1  صفحه : 442
فَهَذِهِ الْعُقُوبَةُ الْأُولَى، ثُمَّ قَالَ: {حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً} [الْأَنْعَامِ: 44]، فَهَذِهِ الْعُقُوبَةُ الثَّانِيَةُ.
فَإِنْ قِيلَ: فَهَلْ كَانَ يُمْكِنُهُمْ أَنْ يَأْتُوا بِالْإِخْلَاصِ وَالْإِنَابَةِ وَالْمَحَبَّةِ لَهُ وَحْدَهُ, مِنْ غَيْرِ أَنْ يَخْلُقَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِهِمْ وَيَجْعَلَهُمْ مُخْلِصِينَ لَهُ مُنِيبِينَ لَهُ مُحِبِّينَ لَهُ؟ أَمْ ذَلِكَ مَحْضُ جَعْلِهِ فِي قُلُوبِهِمْ وَإِلْقَائِهِ فِيهَا؟ قِيلَ: لَا، بَلْ هُوَ مَحْضُ مِنَّتِهِ وَفَضْلِهِ، وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ الْخَيْرِ الَّذِي هُوَ بِيَدِهِ، وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي يَدَيْهِ، وَلَا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَأْخُذَ مِنَ الْخَيْرِ إِلَّا مَا أَعْطَاهُ، وَلَا يَتَّقِي مِنَ الشَّرِّ إِلَّا مَا وَقَاهُ.
فَإِنْ قِيلَ: فَإِذَا لَمْ يُخْلَقْ ذَلِكَ فِي قُلُوبِهِمْ وَلَمْ يُوَفَّقُوا لَهُ، وَلَا سَبِيلَ لَهُمْ إِلَيْهِ بِأَنْفُسِهِمْ، عَادَ السُّؤَالُ؟ وَكَانَ مَنْعُهُمْ مِنْهُ ظُلْمًا، وَلَزِمَكُمُ الْقَوْلُ بِأَنَّ الْعَدْلَ هُوَ تَصَرُّفُ الْمَالِكِ فِي مُلْكِهِ بِمَا يَشَاءُ، لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ؟ قِيلَ: لَا يَكُونُ سُبْحَانَهُ بِمَنْعِهِمْ مِنْ ذَلِكَ ظَالِمًا، وَإِنَّمَا يَكُونُ الْمَانِعُ ظَالِمًا إِذَا مَنَعَ غَيْرَهُ حَقًا لِذَلِكَ الْغَيْرِ عَلَيْهِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي حَرَّمَهُ الرَّبُّ عَلَى نَفْسِهِ، وَأَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ خِلَافَهُ, وَأَمَّا إِذَا مَنَعَ غَيْرَهُ مَا لَيْسَ بِحَقٍّ لَهُ، بَلْ هُوَ مَحْضُ فَضْلِهِ وَمِنَّتِهِ عَلَيْهِ, لَمْ يَكُنْ ظَالِمًا بِمَنْعِهِ، فَمَنْعُ الْحَقِّ ظُلْمٌ، وَمَنْعُ الْفَضْلِ وَالْإِحْسَانِ عَدْلٌ, وَهُوَ سُبْحَانَهُ الْعَدْلُ فِي مَنْعِهِ، كَمَا هُوَ الْمُحْسِنُ الْمَنَّانُ بِعَطَائِهِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَإِذَا كَانَ الْعَطَاءُ وَالتَّوْفِيقُ إِحْسَانًا وَرَحْمَةً، فَهَلَّا كَانَ الْعَمَلُ لَهُ وَالْغَلَبَةُ، كَمَا أَنَّ رَحْمَتَهُ تَغْلِبُ غَضَبَهُ؟ قِيلَ: الْمَقْصُودُ فِي هَذَا الْمَقَامِ بَيَانُ أَنَّ هَذِهِ الْعُقُوبَةَ الْمُتَرَتِّبَةَ عَلَى هَذَا الْمَنْعِ، وَالْمَنْعَ الْمُسْتَلْزِمَ لِلْعُقُوبَةِ, لَيْسَ بِظُلْمٍ، بَلْ هُوَ مَحْضُ الْعَدْلِ, وَهَذَا سُؤَالٌ عَنِ الْحِكْمَةِ الَّتِي أَوْجَبَتْ تَقْدِيمَ الْعَدْلِ[1] عَلَى الْفَضْلِ فِي بَعْضِ الْمَحَالِّ؟ وَهَلَّا سَوَّى بَيْنَ الْعِبَادِ فِي الْفَضْلِ؟ وَهَذَا السُّؤَالُ حَاصِلُهُ: لِمَ تَفَضَّلَ عَلَى هَذَا وَلَمْ يَتَفَضَّلْ عَلَى الْآخَرِ؟ وَقَدْ تَوَلَّى اللَّهُ سُبْحَانَهُ الْجَوَابَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ: {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الْحَدِيدِ: 21] , وَقَوْلِهِ: {لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الْحَدِيدِ: 29]. ولما سأله اليهود

[1] قال عفيفي: انظر ص331 ج1 من "مختصر الموصلي للصواعق المرسلة".
نام کتاب : شرح الطحاوية - ط دار السلام نویسنده : ابن أبي العز    جلد : 1  صفحه : 442
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست