والعدل والحكمة. ولا يخدش في ذلك الجهل بوجه الحكمة في بعض ذلك، فإن ذلك ضروري؛ لأن الدين من شرع الحكيم العليم الذي أحاط بكل شيء علما، وعقل المخلوق وعلمه محدود، وأنت ترى عقول الناس مختلفة، فكم من أمر يجزم كثير من الناس بأنه خلاف الحكمة، فيجيء من هو أعقل أو أعلم منهم فيبين لهم وجه الحكمة، وقد قال الله عز وجل {وفوق كل ذي علم عليم}.
وكثير من الأحكام يحصل المقصود بالعمل بها، ولا يحتاج إلى العلم بوجه حكمتها، وقد يكون العلم بوجه الحكمة يفتقر إلى صرف مدة طويلة من العمر.
ومثل ذلك مثل الطبيب والمريض؛ فإن الطبيب يعلم من طبائع الأمراض والأدوية ما لا يعلمه المريض، ومن ذلك ما لا يدرك إلا بعد صرف مدة طويلة في التعلم، وقد يكون المريض ضعيف الفهم لا يتهيأ له معرفة ذلك ولو أتعب نفسه فيه؛ ففي مثل هذا ليس على الطبيب إلا إعطاء المريض الدواء المناسب، وليس عليه أن يشرح له حقيقة المرض، وأسبابه، وسبب تأثير الدواء؛ لأن هذا يطول ويتعب في غير فائدة، وبحسبِ المريض أن يعلم أن الذي أعطاه الدواء طبيب ناصح، والعلم بذلك لا يحتاج إلى استقراء مستغرق.
ولو قال المريض: لا آخذ الدواء حتى تشرح لي حقيقة المرض وأسبابه وحقيقة الدواء وتأثيره، لَعُدَّ أحمق الناس! ولطرده الطبيب