فالحاصل من الحكايات والأدعاءات التي سردناها آنفا أن الصوفية يريدون أن يثبتوا منها أن مشائخهم وأوليائهم ورؤسائهم كانوا قد وقفوا أنفسهم , ونذروا حياتهم للتعبد والتطوع ولم يكونوا يشتغلون بشيء من أمور الدنيا بل كان كل همهم الصيام والقيام , والذكر والسهر , والتسبيح والتهليل , والمجاهدات والرياضات , وأنها لرغبة عن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم , وأعراض عن أسوته وقدوته وأتباع سيرته كما روى ذلك عن أبي بردة أنه قال:
(دخلت امرأة عثمان بن مظعون على نساء النبي صلى الله عليه وسلم فرأيتها سيئة الهيئة فقلن لها: مالك؟ فما في قريش رجل أغنى من بعلك , قالت: ما لنا منه شيء , أما ليله فقائم , وأما نهاره فصائم فدخلن إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكرن ذلك له فلقيه فقال:
يا عثمان , أما لك بي أسوة؟
فقال: بأبي وأمي أنت وما ذاك؟
قال: تصوم النهار وتقوم الليل , قال: إني لأفعل , قال: لا تفعل , إن لعينك عليك حقا , وإن لجسدك عليك حقا , وإن لأهلك عليك حقا , فصل ونم , وصم وأفطر) [3].
وعن أبي قلابة بلغ به صلى الله عليه وسلم أن ناسا من أصحابه أحتموا النساء واللحم اجتمعوا , فذكرنا ترك النساء واللحم فأوعد فيه وعداً شديداً , وقال: (لو كنت تقدمت فيه لفعلت) , ثم قال: (إني لم أرسل بالرهبانية , إن خير الدين الحنيفية السمحة) [4]. [1] سورة الشورى الآية 21. [2] متفق عليه. [3] رواه البخاري. [4] رواه الدارمي.
نام کتاب : دراسات في التصوف نویسنده : إحسان إلهي ظهير جلد : 1 صفحه : 55