عنده ما يخالفه كمن يشفع إليه في أمر يكرهه، ثم قد يكون سؤاله وشفاعته أقوى من المُعَارض فيقبل شفاعة الشافع.
وقد يكون المُعَارض الذي عنده أقوى من شفاعة الشافع فيردها، وقد يتعارض عنده الأمران، فيبقى مترددا بين ذلك المعارض الذي يوجب الرد، وبين الشفاعة التي تقتضي القبول، فيتوقف إلى أن يترجح عنده أحد الأمرين بِمُرَجِّح. وهذا بخلاف الشفاعة عند الرب -سبحانه وتعالى- فإنه ما لم يخلق شفاعة الشافع، ويأذن له فيها، ويحبها منه، ويرضى عن الشافع، لم يمكن أن توجد. والشافع لا يشفع عنده بمجرد امتثال أمره وطاعته له. فهو مأمور بالشفاعة مطيع بامتثال الأمر، فإن أحدا من الأنبياء والملائكة وجميع المخلوقات لا يتحرك بشفاعة ولا غيرها إلا بمشيئة الله وخلقه.
الله تعالى هو الذي يُحَرِّك الشفيع حتى يشفع
فالرب -تعالى- هو الذي يحرك الشفيع حتى يشفع، والشفيع عند المخلوق، هو الذي يحرك المشفوع إليه حتى يقبل، والشافع عند المخلوق مُسْتَغْن عنه في أكثر أموره، وهو في الحقيقة شريكه ولو كان مملوكه وعبده، فالمشفوع عنده محتاج إليه فيما يناله من النفع والضر والمعاونة وغير ذلك.
كما أن الشافع محتاج إليه فيما يناله من رزق أو نصر أو غيره؛ فكل منهما محتاج إلى الآخر. ومن وَفَّقَهُ الله لفهم هذا الموضوع، تَبَيَّنَ له حقيقة التوحيد والشرك، والفرق بين ما أثبته الله من الشفاعة وما نفاه وأبطله، ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور. ومَن له خبرةٌ بما بعث الله به رسوله، وبما عليه أهل الشرك والبدع اليوم: عَلِمَ أن بين السلف وبين هؤلاء الخُلُوف من البعد أبعد مما بين المشرق والمغرب، وأنهم على شيء والسلف على شيء كما قيل:
سَارَتْ مُشَرِّقَةً وَسِرْتُ مُغَرِّبًا ... شَتَانَ بين مُشَرِّقٍ وَمُغَرِّب
والأمر، والله أعظم، مما ذكرناه. انتهى. وبه كمل الجواب، والحمد لله الذي هدانا لدينه الذي رضيه لعباده، وما كنا