نام کتاب : بسط القول والإسهاب في بيان حكم مودة المؤمن للكافر نویسنده : البدراني، أبو فيصل جلد : 1 صفحه : 34
وقال أحدهم لمحاولة التوفيق بين اجتماع المحبة الطبيعية والبغض الديني (قال تعالى في الكراهية الطبيعية للقتال (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ) [البقرة:216] وقال تعالى في الحب الشرعي للقتال (وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ) [التوبة:92].
فانظر كيف أخبر أنهم يكرهون القتال طبعاً، ثم تفيض عيونهم من الحزن إذا فاتهم القتال لحبهم إياه شرعاً وديانة!
فمن أنكر الكره الطبيعي للقتال فقد كابر، ومن أنكر الحب الشرعي للقتال فما عرف معنى الإيمان بعد، فإن أثبت اجتماعهما في محل واحد فكيف ينكر اجتماعهما في شخص واحد وهو الزوجة الكافرة؟!
وكذلك فإن كل نفس تجد في داخلها كراهية السجن كراهية طبيعية، ولكن لما كان فيه مصلحة شرعية ليوسف –عليه السلام- صار أحب إليه شرعاً وإن كان يبغضه طبعاً، كما قال تعالى عن يوسف (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) [يوسف:33].
وكذلك فإن الإنسان إذا تصدق بأنفس ماله عنده اجتمع في هذا الفعل حب وبغض، فهو يحب ماله طبعاً، ويحب التخلي عنه والصدقة به شرعاً، كما قال تعالى (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) [آل عمران:92] وقال تعالى (وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ) [البقره: 177] وقال تعالى يُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ) [الإنسان:8] ... انتهى).
وقال آخر (إن النفس البشرية السوية لتقوى على الجمع بين المشاعر المتضادة في آن واحد، فهذا الرجل تحمله القسوة على تأديب ولده مع أن قلبه يذوب رقة وحناناً عليه، فهو جامعٌ بين القسوة والغلظةِ من جهة وبين الرقة والشفقة من جهة أخرى، وهذا اللص الفقير ينظر إليه أحدنا من باب الشرع فتأخذه الحمية لدين الله عز وجل في ردعه وزجره بالعقاب الشرعي، وننظر إليه نظرة شفقة ورحمة لحاله، وقس على ذلك، ومنه ما جرى على ألسنة بعض الصحابة من رحمة الكفار والشفقة عليهم إذا نظر لهم من جهة القدر لا الشرع.
بل إن الرجل المسلم المطيع لله جل وعلا قد يأتي المعصية عن شهوة وحب لها، وفي الوقت ذاته يقع في قلبه شيء من الكراهية لها والانقباض عنها لأنه عصى فيها الله عز وجل، فهذا عاص لله محب للمعصية، وفي الوقت نفسه يجد في قلبه شيئاً من الانقباض والنفور عنها، مع كونه ممارساً لها.
وممن صور الثنائية النفسية أبدع تصوير أبو الطيب المتنبي في رثاءه لفاتك، عندما قال:
الحزن يُقلق والتجمّل يردعُ .......... والدمع بينهما عصيٌّ طيّعُ
إنّي لأجبن عن فراق أحبتي ......... وتُحسُّ نفسي بالحمام فأشجعُ
ويزيدني غضبُ الأعادي قسوةً ......... ويُلمُّ بي عتب الصديق فأجزعُ
وهي من عيون شعره، بل من عيون المراثي الشعرية التي نطق بها أدباء العربية.
المقصودُ أنَّ الحسَّ والواقع يشهدان بجريان بعض المشاعر المتضادة المتعارضة في النفس البشرية، دون أن يؤثر ذلك على السلوك أو يوقع في الاضطراب، ومن ذلك حب الرجل المحبة الطبيعية لزوجه النصرانية أو اليهودية، مع بغضه لها
نام کتاب : بسط القول والإسهاب في بيان حكم مودة المؤمن للكافر نویسنده : البدراني، أبو فيصل جلد : 1 صفحه : 34