responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد نویسنده : نغوي، خلدون    جلد : 1  صفحه : 296
- التَّوَكُّلُ الصَّحِيْحُ لَا بُدَّ فِيْهِ مِنْ أَمْرَيْنِ:
الأوَّلُ: أَنْ يَكُوْنَ الاعْتِمَادُ عَلَى اللهِ اعْتِمَادًا صَادِقًا حَقِيْقِيًّا.
الثَّانِي: فِعْلُ الأَسْبَابِ المَأْذُوْنِ فِيْهَا. فَلَا يَصِحُّ مِنْهُ أَنْ يَجْعَلَ تَوَكُّلَهُ عَجْزًا فَيَتْرُكَ الأَسْبَابَ، وَأَيْضًا أَنْ لَا يَجْعَلَ عَجْزَهُ تَوَكُّلًا - أَي صَارَ مُدَّعِيًا لِلتَّوَكُّلِ عِنْدَمَا فَقَدَ الأَسْبَابَ -.
ومَنْ جَعَلَ أَكْثَرَ اعْتِمَادِهِ عَلَى الأَسْبَابِ؛ نَقَصَ بِذَلِكَ تَوَكُّلُهُ عَلَى اللهِ تَعَالَى، وَيَكُوْنُ ذَلِكَ قَدْحًا فِي كِفَايَةِ اللهِ تَعَالَى لَهُ، فَكَأَنَّهُ جَعَلَ السَّبَبَ وَحْدَهُ هُوَ العُمْدَةَ فِيْمَا يَرْجُوْهُ مِنْ حُصُوْلِ المَطْلُوْبِ.
وَأَيْضًا مَنْ جَعَلَ اعْتِمَادَهُ عَلَى اللهِ مُلْغِيًا لِلأَسْبَابِ؛ فَقَدْ طَعَنَ فِي حِكْمَةِ اللهِ تَعَالَى، لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى جَعَلَ لِكُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْمَلُ المُتَوكِّلَيْنَ؛ وَمَع ذَلِكَ كَانَ يَأْخُذُ بِالأَسْبَابِ، فَكَانَ يَأْخُذُ الزَّادَ فِي السَّفَرِ، وَلَمَّا خَرَجَ إِلَى غَزْوَةِ أُحُدٍ ظَاهَرَ بَيْنَ دِرْعَيْنِ، وَلَمَّا خَرَجَ مُهَاجِرًا أَخَذَ مَنْ يَدُلُّهُ عَلَى الطَّرِيْقِ.
- فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} بَيَانُ فَضِيْلَةِ التَّوَكُّلِ، حَيْثُ أَنَّ اللهَ تَعَالَى يَكْفِي عَبْدَهُ إِذَا تَوَكَّلَ عَلَيْهِ، كَمَا فِي الحَدِيْثِ (لَوْ أَنَّكُمْ تَوَكَّلُوْنَ عَلَى اللهِ تَعَالَى حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ؛ تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوْحُ بِطَانًا). (1)
- فَائِدَة [1]) التَّوَكُّلُ هُوَ الاعْتِمَادُ، وَلَكِنَّهُ أَخَصُّ فَهُوَ عِبَادَةٌ. (2)
- فَائِدَة [2]) فِي شَرْحِ حَدِيْثِ (مَنِ اكْتَوَى أَوِ اسْتَرْقَى فَقَدْ بَرِىءَ مِنَ التَّوَكُّلِ) [3]، قَالَ المُنَاوِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي كِتَابِهِ (فَيْضُ القَدِيْرِ) [4]: ((مَنِ اكْتَوَى أَوِ اسْتَرْقَى فَقَدْ بَرِىءَ مِنَ التَّوَكُّلِ) لِفِعْلِهِ مَا يُسَنُّ التَّنَزُّهُ عَنْهُ مِنَ الاكْتِوَاءِ لِخَطَرِهِ، والاسْتِرْقَاءِ بِمَا لَا يُعْرَفُ مِنْ كِتَابِ اللهِ؛ لِاحْتِمَالِ كَونِهِ شِرْكًا.
أَوْ هَذَا فِيْمَنْ فَعَلَ مُعْتَمِدًا عَلَيْهَا لَا عَلَى اللهِ فَصَارَ بِذَلِكَ بَرِيْئًا مِنَ التَّوَكُّلِ، فَإِنْ فُقِدَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ بَرِيْئًا مِنْهُ، وَقَد سَبَقَ أَنَّ الكَيَّ لَا يُتْرَكُ مُطْلَقًا وَلَا يُسْتَعْمَلُ مُطْلَقًا، بَلْ عِنْدَ تَعَيُّنِهِ طَرِيْقًا لِلشِّفَاءِ وَعَدَمِ قِيَامِ غَيْرِهِ مَقَامَهُ - مَعَ مُصَاحَبَةِ اعْتِقَادِ أَنَّ الشِّفَاءَ بِإِذْنِ اللهِ تَعَالَى وَالتَّوَكُّلُ عَلَيْهِ -. (5)
وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ [6]: الكَيُّ نَوْعَان:
1) كَيُّ الصَّحِيْحِ لِئَلَّا يَعْتَلَّ، فَهَذَا الَّذِيْ قِيْلَ فِيْهِ: (مَنْ اكْتَوَى؛ لَمْ يَتَوَكَّلْ) لِأَنَّه يُرِيْدُ أَنْ يَدْفَعَ القَدَرَ؛ وَالقَدَرُ لَا يُدَافَعُ.
2) وَالثَّانِي: كَيُّ الجُرْحِ إِذَا فَسَدَ؛ وَالعُضْوِ إِذَا قُطِعَ، فَهُوَ الَّذِيْ شُرِعَ التَّدَاوِي فِيْهِ، فَإِنْ كَانَ لِأَمْرٍ مُحْتَمَلٍ؛ فَخِلَافُ الأَوْلَى لِمَا فِيْهِ مِنْ تَعْجِيْلِ التَّعْذِيْبِ بِالنَّارِ لِأَمْرٍ غَيْرِ مُحَقَّقٍ). (7)

[1] صَحِيْحٌ. أَحْمَدُ (370)، وَالتِّرْمِذِيُّ (2344) عَنْ عُمَرَ مَرْفُوْعًا. الصَّحِيْحَةُ (310).
[2] أَفَادَهُ الشَّيْخُ الأَلْبَانِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى فِي أَشْرِطَةَ فَتَاوَى سِلْسِلَةِ الهُدَى وَالنُّوْرِ (ش 326).
[3] صَحِيْحٌ. التِّرْمِذِيُّ (2055) عَنِ المُغِيْرَةِ بْنِ شُعْبَةَ مَرْفُوْعًا. الصَّحِيْحَةُ (244).
[4] فَيْضُ القَدِيْرِ (82/ 6).
(5) وَبِنَحوِهِ قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللهُ كَمَا نَقَلَهُ البَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ (396/ 2) عَنْهُ: (قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللهُ: وَذَلِكَ لِأَنَّهُ رَكِبَ مَا يُسْتَحَبُّ التَّنْزِيْهُ عَنْهُ مِنَ الِاكْتِوَاءِ وَالِاسْتِرْقَاءِ لِمَا فِيْهِ مِنَ الخَطَرِ، وَمِنَ الِاسْتِرْقَاءِ بِمَا لَا يُعْرَفُ مِنْ كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ أَوْ ذِكْرِهِ؛ لِجَوَازِ أَنْ يَكُوْنَ شِرْكًا، أَوِ اسْتَعْمَلَهَا مُعْتَمِدًا عَلَيْهَا لَا عَلَى اللهِ تَعَالَى فِيْمَا وَضَعَ فِيْهِمَا مِنَ الشِّفَاءِ، فَصَارَ بِهَذَا أَوْ بِارْتِكَابِهِ المَكْرُوْهَ بَرِيْئًا مِنَ التَّوَكُّلِ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْ هَذَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِنَ الأَسْبَابِ المُبَاحَةِ لَمْ يَكُنْ صَاحِبُهَا بَرِيْئًا مِنَ التَّوَكُّلِ، وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ).
قُلْتُ: وَقَد سَبَقَ فِي بَابِ (مَنْ حَقَّقَ التَّوْحِيْدَ دَخَلَ الجَنَّةَ بِغَيرِ حِسَابٍ وَلَا عَذَابٍ) بَيَانُ أَنَّ مَعْنَى (يَسْتَرْقُوْنَ) لَيسَ يَخْتَصُّ بِالرُّقْيَةِ الشِّرْكِيَّةِ، وَإِنَّمَا بِالجَائِزَةِ، وَالنَّهْيُ هُوَ لِمُنَافَاةِ كَمَالِ التَّوحِيْدِ المُسْتَحَبِّ، إِلَّا أَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ حَمْلِ قَوْلِهِ (فَقَدْ بَرِىءَ مِنَ التَّوَكُّلِ) عَلَى نَفْي أَصْلِ الإِيْمَانِ بِكَوْنِ الاسْتِرْقَاءِ مُخْتَصًا بِالرُّقْيَةِ الشِّرْكِيَّةِ - كَمَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ - وَلَكِنَّ قَوْلَ المُنَاوِيِّ رَحِمَهُ اللهُ السَّابِقَ (لِفِعْلِهِ مَا يُسَنُّ التَّنَزُّهُ عَنْهُ) يَقْصِدُ بِهِ مَا لَيْسَ بِمَعْلُوْمٍ مِنَ الشِّرْكِ وَلَكِنَّهُ قَدْ يَحْتَمِلُ، فَهَذَا لَا رَيْبَ أَنَّهُ يُسَنُّ التَّنَزُّهُ عَنْهُ (لِاحْتِمَالِ كَونِهِ شِرْكًا) وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
[6] هُوَ أَبُو مُحَمَّدٍ؛ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمٍ بْنُ قُتَيْبَةَ الدِّيْنَوَرِيُّ، قَاضِي دِيْنَورَ، النَّحَوِيُّ؛ اللُّغَوِيُّ؛ صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ البَدِيْعَةِ المَشْهُوْرَةِ، (ت 276هـ).
(7) وَقَالَ الشَّيْخُ الأَلْبَانِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي الصَّحِيْحَةِ (244) عِنْدَ حَدِيْثِ (مَنِ اكْتَوَى أَوِ اسْتَرْقَى فَقَدْ بَرِىءَ مِنَ التَّوَكُّلِ): (قُلْتُ: وَفِيْهِ كَرَاهَةُ الاكْتِوَاءِ وَالاسْتِرْقَاءِ. أَمَّا الأَوَّلُ؛ فِلِمَا فِيْهِ مِنَ التَّعْذِيْبِ بِالنَّارِ، وَأَمَّا الآخَرُ؛ فَلِمَا فِيْهِ مِنَ الاحْتِيَاجِ إِلَى الغَيْرِ فِيْمَا الفَائِدَةُ فِيْهِ مَظْنُوْنَةٌ غَيْرُ رَاجِحَةٍ).
نام کتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد نویسنده : نغوي، خلدون    جلد : 1  صفحه : 296
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست