responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد نویسنده : نغوي، خلدون    جلد : 1  صفحه : 338
- والمُتَشَابِهُ هُنَا (في آيَةِ آلِ عِمْرَانَ) نَوْعَانِ: تَشَابُهٌ نِسْبِيٌّ، وَتَشَابُهٌ مُطْلَقٌ:
1) فَالمُتَشَابِهُ المُطْلَقُ: يَخْفَى عَلى كُلِّ أَحَدٍ - حَتَّى عَلَى الرَّاسِخِيْنَ فِي العِلْمِ - وَلَا يَعْلَمُهُ أَحَدٌ إِلَّا اللهُ تَعَالَى، وَهَذِهِ مَأْخُوْذَةٌ مِنْ قِرَاءَةِ الوَقْفِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيْلَهُ إِلَّا اللهُ} [1]، وَذَلِكَ مِثْلُ كَيْفِيَّةِ وَحَقَائِقِ صِفَاتِ اللهِ تَعَالَى، وَحَقَائِقِ مَا أَخْبَرَ اللهُ بِهِ مِنْ نَعِيْمِ الجَنَّةِ وَعَذَابِ النَّارِ [2]، قَالَ اللهُ تَعَالَى فِي نَعِيْمِ الجَنَّةِ: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُوْنَ} (السَّجْدَة:17)، أَيْ: لَا تَعْلَمُ حَقَائِقَ ذَلِكَ - مَعَ أَنَّهُ تَعَالَى أَخْبَرَ عَنْ صِفَاتِهَا عُمُوْمًا كَأَنْهَارِهَا وَأَشْجَارِهَا وَثَمَرَاتِهَا وَنِسَائِهَا -، وكَمَا فِي الأَثَرِ (لَيْسَ فِي الجَنَّةِ شَيْءٌ مِمَّا فِي الدُّنْيَا إِلَّا الأَسْمَاءُ) [3].
وَهَذِهِ الحَقَائِقُ هِيَ مِمَّا لَا تَتَعَلَّقُ بِهَا ضَرُوْرَةٌ وَلَا حَاجَةٌ لِلنَّاسِ فِي تَدَيُّنِهِم وَسُلُوْكِهِم وَعَقِيْدَتِهِم - أَيْ: لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا عَمَلٌ شَرْعِيٌّ - فَلَو كَانَ لِلنَّاسِ فِيْهَا حَاجَةٌ لَبَيَّنَهَا اللهُ تَعَالَى وَلَمْ يَسْكُتْ عَنْهَا. (4)
2) المُتَشَابِهُ النِّسْبِيُّ: يَخْفَى عَلى أَحَدٍ دُوْنَ أَحَدٍ، وَهَذِهِ مَأْخُوْذَةٌ مِنْ قِرَاءَةِ الوَصْلِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيْلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُوْنَ فِي العِلْمِ يَقُوْلُوْنَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُوْلُو الأَلْبَابِ}، فَيَكُوْنُ هَذَا المُتَشَابِهُ مَعْلُومًا أَيْضًا لِلرَّاسِخِيْنَ فِي العِلْمِ دُوْنَ عُمُوْمِ النَّاسِ، كَمَا فِي التَّفَاسِيْرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّهُ قَالَ: (أَنَا مِنَ الرَّاسِخيْنَ فِي العِلْمِ الَّذِيْ يَعْلَمُوْنَ تَأْوِيْلَهُ). (5)

[1] وَعَلَيْهَا الجُمْهُوْرُ، كَمَا ذَكَرَهُ الشّنْقِيْطِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي كِتَابِهِ (أَضْوَاءُ البَيَانِ) (192/ 1).
قَالَ الطَّبَرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي التَّفْسِيْرِ (204/ 6): (وَالصَّوَابُ عِنْدَنَا فِي ذَلِكَ أَنَّهُم مَرْفُوْعُوْنَ بِجُمْلَةِ خَبَرِهِم بَعْدَهُم وَهُوَ (يَقُوْلُوْنَ)؛ لِمَا قَدْ بَيَّنَا قَبْلُ مِنْ أَنَّهُم لَا يَعْلَمُوْنَ تَأْوِيلَ المُتَشَابِهِ الَّذِيْ ذَكَرَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي هَذِهِ الآيَةِ، وَهُوَ فِيْمَا بَلَغَنِي مَعَ ذَلِكَ فِي قِرَاءَة أُبَيٍّ: (وَيَقُوْلُ الرَّاسِخُوْنَ فِي العِلْمِ) كَمَا ذَكَرْنَاهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُهُ، وَفِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللهِ: (إِنْ تَأْوِيْلُهُ إِلَّا عِنْدَ اللهِ. وَالرَّاسِخُوْنَ فِي العِلْمِ يَقُوْلُوْنَ)).
[2] وَمِثْلُ قَوْلُهُ تَعَالَى {هَلْ يَنْظُرُوْنَ إِلَّا تَأْوِيْلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ} (الأَعْرَاف:53) أَيْ: حَقِيْقَةُ مَا أُخْبِرُوا بِهِ مِنْ أَمْرِ المَعَادِ. قَالَهُ الحَافِظُ ابْنُ كَثِيْرٍ رَحِمَهُ اللهُ فِي التَّفْسِيْرِ (11/ 2).
[3] رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي صِفَة الجَنَّةِ (ص124)، وَالمَقْدِسِيُّ فِي المُخْتَارَةِ (16/ 10) مَوْقُوْفًا عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ. الصَّحِيْحَةُ (2188).
(4) قَالَ الطَّبَرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي التَّفْسِيْرِ (180/ 6): (وَذَلِكَ أَنَّ جَمِيْعَ مَا أَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ آيِ القُرْآنِ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَإِنَّمَا أَنْزَلَهُ عَلَيْهِ بَيَانًا لَهُ وَلِأُمَّتِهِ وَهُدَىً لِلْعَالَمِيْنَ، وَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُوْنَ فِيْهِ مَا لَا حَاجَةَ بِهِمْ إِلَيْهِ، وَلَا أَنْ يَكُوْنَ فِيْهِ مَا بِهِمْ إِلَيْهِ الحَاجَةُ؛ ثُمَّ لَا يَكُوْنُ لَهُمْ إِلَى عِلْمِ تَأْوِيْلِهِ سَبِيْلٌ!!
فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَكُلُّ مَا فِيْهِ لِخَلْقِهِ إِلَيْهِ الحَاجَةُ؛ وَإِنْ كَانَ فِي بَعْضِهِ مَا بِهِمْ عَنْ بَعْضِ مَعَانِيهِ الغِنَى - وَإِنِ اضْطَرَّتْهُ الحَاجَةُ إِلَيْهِ فِي مَعَانٍ كَثِيْرَةٍ - وَذَلِكَ كَقَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيْمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيْمَانِهَا خَيْرًا} (الأَنْعَام:158) فَأَعْلَمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّتَهُ أَنَّ تِلْكَ الآيَةَ الَّتِيْ أَخْبَرَ اللهُ جَلَّ ثناؤُهُ عِبَادَهُ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَمْ يَنْفَعْ نَفْسًا إِيْمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلِ ذَلِكَ؛ هِيَ طُلُوْعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، فَالَّذِيْ كَانَتْ بِالعِبَادِ إِلَيْهِ الحَاجَةُ مِنْ عِلْمِ ذَلِكَ هُوَ العِلْمُ مِنْهُمْ بِوَقْتِ نَفْعِ التَّوْبَةِ بِصِفَتِهِ بِغَيْرِ تَحْدِيْدِهِ بِعَدٍّ بِالسِّنِيْنَ وَالشُّهُوْرِ وَالأَيَّامِ، فَقَدْ بَيَّنَ اللهُ ذَلِكَ لَهُمْ بِدِلَالَةِ الكِتَابِ، وَأَوْضَحَهُ لَهُمْ عَلَى لِسَانِ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُفَسَّرًا، وَالَّذِيْ لَا حَاجَةَ لَهُمْ إِلَى عِلْمِهِ مِنْهُ هُوَ العِلْمُ بِمِقْدَارِ المُدَّةِ الَّتِيْ بَيْنَ وَقْتِ نُزُوْلِ هَذِهِ الآيَةِ وَوَقْتِ حُدُوْثِ تِلْكَ الآيَةِ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِمَّا لَا حَاجَةَ بِهِمْ إِلَى عِلْمِهِ فِي دِيْنٍ وَلَا دُنْيَا، وَذَلِكَ هُوَ العِلْمُ الَّذِيْ اسْتَأْثَرَ اللهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِهِ دُوْنَ خَلْقِهِ، فَحَجَبَهُ عَنْهُمْ، وَذَلِكَ وَمَا أَشْبَهَهُ هُوَ المَعْنَى الَّذِيْ طَلَبَتِ اليَهُوْدُ مَعْرِفَتَهُ فِي مُدَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُمَّتِهِ مِنْ قِبَلِ قَوْلِهِ (الم، وَالمص، وَالر، وَالمر) وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الحُرُوفِ المُقَطَّعَةِ المُتَشَابِهَاتِ الَّتِيْ أَخْبَرَ اللهُ جَلَّ ثناؤُهُ أَنَّهُمْ لَا يُدْرِكُوْنَ تَأْوِيْلَ ذَلِكَ مِنْ قِبَلِهِ؛ وَأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ تَأْوِيْلَهُ إِلَّا اللهُ).
(5) تَفْسِيْرُ البَغَوِيِّ (10/ 2).
وَاسْتَدَلَ لِصِحَّةِ هَذَا المَعْنَى بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ حَيْثُ قَالُوا: إنَّ اللهَ تَعَالَى ذَكَرَ فِي آخِرِ الآيَاتِ {وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُوْلُو الأَلْبَابِ} مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الرَّاسِخِيْنَ أَصْحَابَ الأَلبَابِ هُمُ الَّذِيْنَ يَعْلَمُوْنَ مَعَانِيْهَا دُوْنَ سَائِر النَّاسِ.
نام کتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد نویسنده : نغوي، خلدون    جلد : 1  صفحه : 338
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست