responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد نویسنده : نغوي، خلدون    جلد : 1  صفحه : 92
[4]) أَنَّ الجِنِّ فِي زَمَنِ النُّبُوَّةِ كَانَ مِنْهُم مَنْ لَقِيَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاسْتَمَعَ إِلَيْهِ، وَأَسْلَمَ مَعَهُ [1]، وَمَعْلُوْمٌ أَنَّ عِنْدَهُم مِنَ القُدُرَاتِ وَالإِمْكَانَاتِ الَّتِيْ أَعْطَاهُم إِيَّاهَا اللهُ تَعَالَى مَا لَيْسَ لِغَيْرِهِم؛ وَقَدْ مَضَى زَمَنُ النُّبُوَّةِ وَزَمَنُ الصَّحَابَةِ [2] وَلَمْ يَجْرِ فِيْهِ الاسْتِعَانَةُ بِالجِنِّ - حَتَّى المُسْلِمِ مِنْهَا -، فَكَانَ هَذَا الأَمْرُ بِمَثَابَةِ إِجْمَاعٍ مِنْهُم عَلَى عَدَمِ مَشْرُوْعيَّتِهِ. وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (3)
5) سَدًّا لِذَرِيْعَةِ الافْتِتَانِ بِهِم: وَالفِتْنَةُ هِيَ مِنْ وُجُوْهٍ:
أ) أَنَّ الشَّيَاطِيْنَ الأَصْلُ فِيْهِمُ الكَذِبُ، فَلَا يُؤْمَنُ كَذِبُ مَنْ يَزْعُمُ مِنْهُم أَنَّهُ مُسْلِمٌ أَوْ صَالِحٌ؛ فَهُم يُوْقِعُوْنَ العَدَاوَةَ بَيْنَ النَّاسِ فِي كَذِبِهِم.
ب) أَنَّ الشَّيَاطِيْنَ لَهُم اسْتِدْرَاجٌ فَيَتَدَرَّجُوْنَ مِنْ مُبَاحٍ إِلَى مَكْرُوْهٍ إِلَى مُحَرَّمٍ إِلَى شِرْكٍ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِيْنٌ} (البَقَرَة:168).
ج) أَنَّ الاسْتِعَانَةَ بِهِم - وَهُمْ غَيْرُ مُشَاهَدُوْنَ لَنَا - يَعْنِي الاسْتِغَاثَةَ بِهِم فِي جَمِيْعِ الأَحْوَالِ، وَهَذَا يُمَاثِلُ فِعْلَ المُشْرِكِيْنَ مَعَ آلِهَتِهِم وَمَعَ الجِنِّ، فَقَوْلُ أَحَدِهِم: (أَغِثْنِي يَا فُلَانُ - بِاسْمِ الجِنِّيِّ -) أَوْ (أُعُوْذُ بِفُلَانٍ وَفُلَانٍ - مِنَ الجِنِّ -) وَبِزَعْمِ أَنَّهُ حَيٌّ حَاضِرٌ قَادِرٌ؛ هَذَا ذَرِيْعَةٌ لِلشِّرْكِ، إِنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ الشِّرْكُ.
فَاللهُ تَعَالَى بَيَّنَ فِي سُوْرَةِ الجِنِّ ضَلَالَ أُوْلَئِكَ الَّذِيْنَ كَانُوا يَسْتَعِيْذُوْنَ بِمَرَدَةِ الجِنِّ مِنْ سَائِرِ الجِنِّ، وَالاسْتِعَاذَةُ طَلَبٌ وَاسْتِعَانَةٌ، وَلَمْ يَكُوْنُوا يَقُوْلُوْن هَذَا إِلَّا إِذَا نَزَلُوا فِي الأَوْدِيَةِ! فَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُوْنَ كَبِيْرُ الجِنِّ يَسْمَعَ كَلَامَهُم؛ وَهُمْ لَمْ يَطْلُبُوا مِنْهُ مَا لَا يَسْتَطِيْعُهُ؛ وَمَعَ ذَلِكَ بَيَّنَ اللهُ تَعَالَى ضَلَالَهُم. [4] (5)

[1] كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى عَنْهُم فِي سُوْرَةِ الجِنِّ {وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الهُدَى آمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا} (الجِنّ:13).
[2] رَوَى أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللهُ فِي كِتَابِ (فَضَائِلُ الصَّحَابَةِ) (ص304) عَنْ أَبِي مُوْسَى الأشعريِّ؛ أَنَّهُ أبطأَ عَلَيْهِ خَبَرُ عُمَرَ؛ وَكَانَ هُنَاكَ امْرَأَةٌ لَهَا قَرِيْنٌ مِنَ الجِنِّ، فَسَأَلَهُ عَنْهُ، فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ تَرَكَ عُمَرَ يَسِمُ إِبِلَ الصَّدَقَةِ. وَإِسْنَادُهُ ضَعِيْفٌ.
وَفِي خَبَرٍ آخَرَ أَنَّ عُمَرَ أَرْسَلَ جَيْشًا فَقَدِمَ شَخْصٌ إِلَى المَدِيْنَةِ فَأَخْبرَ أَنَّهُم انْتَصَرُوا عَلَى عَدُوِّهِم وَشَاعَ الخَبَرُ، فَسَأَلَ عُمَرُ عَنْ ذَلِكَ فذُكِرَ لَهُ، فَقَالَ: (هَذَا أَبُو الهَيْثَمِ بَرِيْدُ المُسْلِمِيْنَ مِنَ الجِنِّ، وَسَيَأْتِي بَرِيْدُ الإِنْسِ بَعْدَ ذَلِكَ)، فَجَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ بِعِدَّةِ أَيَّامٍ. أَوْرَدَهُ بَدْرُ الدِّيْنِ الشُّبليِّ فِي كِتَابِ (آكَامِ المَرْجَان فِي أَحْكَامِ الجَانِّ) (ص 139) بِدُوْنِ سَنَدٍ. اُنْظُرْ كِتَابَ (المُنْتَخَبُ مِنْ كُتُبِ شَيْخِ الإِسْلَامِ ابْنِ تَيْمِيَّة) (ص99) لِلشَّيْخِ عَلَوِيّ السَّقَّافِ حَفِظَهُ اللهُ.
(3) قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي كِتَابِهِ (الآدَابُ الشَّرْعِيَّةُ) (198/ 1): (قَالَ أَحْمدُ رَحِمَهُ اللهُ فِي الرَّجُلِ يَزْعُمُ أَنَّهُ يُعَالِجُ المَجْنُوْنَ مِنَ الصَّرَعِ بِالرُّقَى وَالعَزَائِمِ، أَوْ يَزْعُمُ أَنَّهُ يُخَاطِبُ الجِنَّ وَيُكَلِّمُهُم، وَمْنُهم مَنْ يَخْدُمُهُ؛ قَالَ: مَا أُحِبُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَفْعَلَهُ، تَرْكُهُ أَحَبُّ إليَّ)، وَهَذَا يُرَادُ بِهِ التَّحْرِيْمُ، كَمَا هُوَ المَعْلُوْمُ مِنْ نُصُوْصِ الإِمَامِ أَحْمَدَ وَأَلْفَاظِهِ.
قُلْتُ: وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ أَيْضًا: (أَكْرَهُ ذَبَائِحَ الجِنِّ) وَمُرَادُهُ التَّحْرِيْمُ.
[4] وَإِذَا كَانَتِ الاسْتِعَانَةُ بِالجِنِّ هِيَ فِيْمَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إِلَّا اللهُ تَعَالَى؛ كَانَتْ حَيْنَئِذٍ شِرْكًا أَكْبَرًا، قَالَ تَعَالَى: {قَالُوا وَهُمْ فِيْهَا يَخْتَصِمُوْنَ، تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِيْنٍ، إِذْ نُسَوِّيْكُمْ بِرَبِّ العَالَمِيْنَ} (الشُّعَرَاء:98).
(5) فَائِدَةٌ: وَأَمَّا زَعْمُ بَعْضِهِم - عِنْدَمَا يَصْطَدِمُ بِنُصُوْصِ المَنْعِ السَّابِقَةِ الَّتِي تَمْنَعُ مِنَ التَّعَامُلِ مَعَ الجِنِّ إِطْلَاقًا - أَنَّهُ يَتَعَامَلُ مَعَ المَلَائِكَةِ؛ وَأَنَّهُ يَسْتَعِيْنُ بِهِم عَلَى قَضَاءِ حَاجَاتِ النَّاسِ؛ فَهُوَ زَعْمٌ بَاطِلٌ لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ الشَّرْعُ، وَإِنَّمَا أَخْبَرَ اللهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ أَنَّ المَلَائِكَةَ خَلْقٌ مُطِيْعٌ لَهُ سُبْحَانَهُ يَعْمَلُوْنَ بِأَمْرِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فَقَالَ تَعَالَى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُوْنَ، لَا يَسْبِقُوْنَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُوْنَ} (الأنبياء:27)، وَلَا يَخْفَى أَنَّ تَقْدِيْمَ مَا حَقُّهُ التَّأْخِيْرُ يُفِيْدُ الحَصْرَ، فَالمَلَائِكَةُ لَا تَعْمَلُ شَيْئًا مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهَا أَصْلًا إِلَّا أَنْ يَأْمُرَهَا اللهُ تَعَالَى بِهِ.
نام کتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد نویسنده : نغوي، خلدون    جلد : 1  صفحه : 92
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست