إذ الجحود عند بعض الفقهاء يطلق، ويراد به التكذيب بالإيجاب، المنافي للتصديق، كما يراد به أيضاً الامتناع عن الإقرار والامتناع عن الالتزام، وهو ما ينافي الانقياد. [1] وأي جهل بالله أعظم من أن ينكر العبد ربه وقد استيقنه بقلبه.
لكن الذي نتناوله في بحثنا هو حالة معينة من حالات الكفر، وهو الكفر بعد الإيمان والدخول في الإسلام، لا الكفر الأصلي، ولا النفاق الاعتقادي الذي يسره المنافق في قلبه، ويظهر لنا خلافه.
وهذا الذي يسميه العلماء بالردة، فالمرتد لغة: هو الراجع. ومنه قوله تعالى: {ولا ترتدّوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين} (المائدة: 21).
قال الأصفهاني: "الردة: الرجوع في الطريق الذي جاء منه". (2)
ويقول البهوتي معرفاً الردة عند أهل الاصطلاح: " الذي يكفر بعد إسلامه نطقاً، أو اعتقاداً، أو شكاً، أو فعلاً ". (3)
وأما الكاساني فيقول في بيان ركن الردة: "فهو إجراء كلمة الكفر على اللسان بعد وجود الإيمان، إذ الردة عبارة عن الرجوع عن الإيمان". (4)
ويقول خليل في مختصره: "الردة كفر المسلم بصريح لفظ يقتضيه أو فعل يتضمنه". (5)
ويقول النووي: " الردة هي قطع الإسلام بنيِّة، أو قول كفر، أو فعله، سواء قاله استهزاءً، أو عناداً، أو اعتقاداً". (6)
وهكذا فالردة هي الرجوع عن الإسلام بارتكاب ناقض من نواقضه القولية أو القلبية أو العملية، والردة صورة من صور الكفر التي تدور بمجموعها حول التكذيب والجحود. [1] انظر: مجموع الفتاوى (20/ 98).
(2) مفردات القرآن (217).
(3) كشاف القناع (6/ 167 - 177).
(4) بدائع الصنائع (7/ 134). وانظر البحر الرائق (5/ 129).
(5) مختصر خليل (1/ 281).
(6) منهاج الطالبين (1/ 131).