ذلك لا يخرجهم عن الإيمان، بل يضعهم تحت المشيئة الإلهية، ولو كفروا لاستحقوا النار، يقول الله: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} (النساء: 48)، فكل المعاصي المذكورة في الأحاديث المشكلة هي دون الشرك بالله، وهي تحت المشيئة، ففاعلها إذاً ليس بكافر، وعليه فمعناها الظاهر غير مراد.
ولو كان الظاهر لازماً على كل حال للزم رجم أو جلد المتعطرة المستشرفة على الناس لوصف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لها بأنها زانية [1]، ومثله قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((المستبّان شيطانان، يتهاتران، ويتكاذبان)). [2]، إذ لا يصح أن يعتبر المتسابان من ذرية إبليس، كما يفهم من ظاهر اللفظ.
- ومثله أحاديث كثيرة شهدت بالإسلام لمن قال لا إله إلا الله مخلصاً بها قلبه، منها قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما من عبد قال: لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة. قلت: وإن زنى، وإن سرق؟ قال: وإن زنى، وإن سرق. قلت: وإن زنى، وإن سرق؟ قال: وإن زنى، وإن سرق. قلت: وإن زنى، وإن سرق؟ قال: وإن زنى، وإن سرق، على رغم أنف أبي ذر)). (3)
إن الله ونبيه - صلى الله عليه وسلم - شهدا لأصحاب هذه المعاصي بالإسلام، فالقاتل لأخيه المسلم سماه القرآن أخاً للمقتول، في قوله: {فمن عُفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسانٍ} (البقرة: 178)، وكذا اعتبر الطائفتين المقتتلتين من المؤمنين فقال: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا} (الحجرات: 9).
وعليه فقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض)) [4]، وقوله ((سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر)). [5] على غير ظاهره، وينصرف فيه لفظ الكفر إلى الكفر الأصغر الذي لا يخرج من الملة.
ومثله في قوله - صلى الله عليه وسلم - عن آتي الكاهن او العراف غير المصدق له: ((من أتى [1] انظره في النسائي ح (5126)، وأبي داود ح (4173)، وصححه الألباني في صحيح النسائي ح (4737). [2] رواه أحمد في المسند ح (17029)، والبخاري في الأدب المفرد ح (439)، وابن حبان في صحيحه ح (5819) وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد ح (330).
(3) رواه البخاري ح (5827)، ومسلم ح (94). [4] رواه البخاري ح (48)، ومسلم ح (64). [5] رواه البخاري ح (6166)، ومسلم ح (65).