ضد الشكر، الذي هو العمل بالطاعة، فالسعي إما شكر وإما كفر، وإما ثالث لا من هذا ولا من هذا". (1)
وعن كفر من ادعى لغير أبيه قال النووي: " فيه تأويلان: أحدهما أنّه في حقّ المستحلّ. والثّاني: أنّه كفر النّعمة والإحسان وحقّ الله تعالى , وحقّ أبيه , وليس المراد الكفر الّذي يخرجه من ملّة الإسلام. وهذا كما قال - صلى الله عليه وسلم - ((يكفرن)) [2] , ثمّ فسّره - صلى الله عليه وسلم - بكفرانهنّ الإحسان وكفران العشير". (3)
قال الحافظ ابن حجر: "وقد ورد الكفر في الشرع بمعنى جحد النعم، وترك شكر المنعم، والقيام بحقه". (4)
إذاً الجهل بدلالة لفظ الكفر في الشرع أوقع الغلاة في تكفير المسلمين لإتيانهم بعض المعاصي التي وسم الله فاعلها بالكفر، أي الكفر الأصغر، وجمع النصوص إلى بعضها كفيل برفع شبهة المكفِّرين لكل من أطلق عليه الشرع كلمة الكفر، إذ المفهوم الخاطئ لهذا الإطلاق يجعل نصوص الشرع متعارضة متناقضة، والحق أن النصوص الشرعية يصدق بعضها بعضاً، والواجب جمع النصوص بعضها إلى بعض، وإعمالها جميعاً بمزيد من التبصر في دلالات ألفاظها ومآلات عباراتها.
ثانياً: النصوص التي صرحت باستحقاق العاصي للنار أو حرمت عليه الجنة
ويحتج أهل التكفير بالمعاصي بآيات القرآن في مواضع متعددة من كتاب الله، شهد فيها أن معصية الله ورسوله تُدخل النار وتكتب للعاصي الخلود فيها كقوله تعالى: {ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله ناراً خالداً فيها وله عذاب مهين النساء} (النساء: 14)، وقوله تعالى: {ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبداً} (الجن: 23). وقوله تعالى: {بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون} (البقرة: 81)، ونحوه قوله تعالى
(1) مدارج السالكين (1/ 337). [2] رواه البخاري ح (29).
(3) شرح النووي على مسلم (2/ 50).
(4) فتح الباري (10/ 466).