الله بعذاب ما توعد به الكافرين {إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيراً} (النساء: 145).
وأطلع الله نبيه على أسماء كثير من المنافقين، لكنه - صلى الله عليه وسلم - لم يقتل أحداً منهم بسبب ردته، ولا منع توارثهم مع أوليائهم، لا بل لم يترك النبي - صلى الله عليه وسلم - الصلاة على ميتهم والاستغفار لهم حتى نهي عن ذلك.
وكل ذلك إنما هو إجراء لأحكام أهل الإسلام عليهم بما أظهروا منه، فيما يتوعدهم الله في الآخرة بأليم عذابه {استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرّةً فلن يغفر الله لهم ذلك بأنّهم كفروا بالله ورسوله والله لا يهدي القوم الفاسقين} (التوبة: 80).
قال الإمام الشافعي في بيان شأن المنافقين: " الله عز وجل أخبر عن المنافقين بأنهم اتخذوا أيمانهم جُنة، يعني - والله أعلم -: من القتل، ثم أخبر بالوجه الذي اتخذوا به أيمانهم جُنة فقال: {ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا} فأخبر عنهم بأنهم آمنوا ثم كفروا بعد الإيمان كفراً إذا سئلوا عنه أنكروه، وأظهروا الإيمان وأقروا به، وأظهروا التوبة منه، وهم مقيمون فيما بينهم وبين الله على الكفر، قال الله جل ثناؤه: {يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم} (التوبة: 74).
فأخبر بكفرهم وجحدهم وكذب سرائرهم، وذكر كفرهم في غير آية .. وحكم فيهم - جل ثناؤه - في الدنيا بأن ما أظهروا من الإيمان، وإن كانوا به كاذبين، لهم جُنة من القتل، وهم المسرون الكفر المظهرون الإيمان ...
وبيّن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا حقن [1] الله تعالى دماء من أظهر الإيمان بعد الكفر، أن لهم حكم المسلمين من الموارثة والمناكحة وغير ذلك من أحكام المسلمين، فكان بيناً في حكم الله عز وجل في المنافقين ثم حكم رسوله - صلى الله عليه وسلم -، أن ليس لأحد أن يحكم على أحد بخلاف ما أظهر من نفسه، وأن الله عز وجل إنما جعل للعباد الحكم على ما أظهر، لأن أحداً منهم لا يعلم ما غاب [1] هكذا في الأصل، ولعلها: (إذ حقن).