أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - من غير أن يقصدوا مقصد اليهود، فلم يكفروا لسلامة مقصدهم، وناداهم القرآن باسم الإيمان، فقال: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا واسمعوا وللكافرين عذاب أليم} (البقرة: 104).
قال ابن تيمية: " إن المسلم إذا عنى معنىً صحيحاً في حق الله تعالى، أو الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ولم يكن خبيراً بدلالة الألفاظ، فأطلق لفظاً يظنه دالاً على ذلك المعنى، وكان دالاً على غيره أنه لا يكفر، ومن كفَّر مثل هذا كان أحق بالكفر، فإنه مخالف للكتاب والسنة وإجماع المسلمين، وقد قال تعالى: {لا تقولوا راعنا} (البقرة: 104)، وهذه العبارة كانت مما يقصد به اليهود إيذاء النبي - صلى الله عليه وسلم -، والمسلمون لم يقصدوا ذلك، فنهاهم الله تعالى عنها، ولم يكفرهم بها". (1)
ويقول ابن القيم: "ومن تدبر مصادر الشرع وموارده تبين له أن الشارع ألغى الألفاظ التي لم يقصد المتكلم بها معانيها، بل جرت على غير قصد منه كالنائم والناسي والسكران والجاهل والمكره والمخطئ من شدة الفرح أو الغضب أو المرض ونحوهم". (2)
قال ابن حزم: "ليس كل ضلال كفراً، ولا فسقاً إلا إذا كان عمداً، وأما إذا كان من غير قصد فالإثم مرفوع فيه كسائر الخطأ". (3)
ومثل هذا السوء في القول يصدر يوم القيامة من آخر أهل الجنة دخولاً إليها، فيقول مخاطباً ربه جل وعلا: ((أتسخر بي أو أتضحك بي وأنت الملك؟ قال: لقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضحك حتى بدت نواجذه)). [4] وهذا القول مستقبح لا يخاطَب به الله العظيم، لكنه عفي عن قائله لفرط ذهوله.
ونقل النووي عن القاضي عياض قوله في معنى الحديث: " هذا الكلام صدر من هذا الرّجل وهو غير ضابط لما قاله، لما ناله من السّرور ببلوغ ما لم يخطر بباله, فلم يضبط لسانه دهشاً وفرحاً، فقاله وهو لا يعتقد حقيقة
(1) الرد على البكري (2/ 659).
(2) أعلام الموقعين (3/ 124).
(3) الإحكام (2/ 652). [4] رواه البخاري ح (6571) ومسلم ح (186).