العذر بالتأويل
أولاً: أدلة العذر بالتأويل
وقد يقع الواحد من المسلمين في الكفر لتأول خاطئ أو فهم مغلوط للنصوص، فيقع في الخطأ، وهو لا يقصده، وهذا في الحقيقة فرع عن العذر بالخطأ، لكنه لفرط أهميته وتميز بعض صوره عن الخطأ استحق أن يفرد بالذكر.
والمخطئ في فهم النصوص المتأول لبعضها على معان خاطئة مجتهد أخطأ في فهم مراد الشارع، فإن كان تأوله مع بذله الجهد، واستفراغ الوسع، فهذا مجتهد أخطأ في اجتهاده، وهو موعود بالأجر على لسان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيث قال: ((إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر)). (1)
قال ابن حجر: " ولا يؤاخذ بإعطاء الحقّ لغير مستحقه لأنّه لم يتعمّد ذلك، بل وزر المحكوم له قاصر عليه , ولا يخفى أنّ محلّ ذلك أن يبذل وسعه في الاجتهاد وهو من أهله, وإلا فقد يلحق به الوزر إن أخلّ بذلك". (2)
وكل مجتهد يبغي الحق، وقد يصيبه، وقد يخطئه، يقول ابن حزم: "لم يأمر الله قط بإصابة الحق، لأنه تكليف ما ليس بوسعه". (3)
قال الخطيب البغدادي: "فإن قيل: كيف يجوز أن يكون للمخطئ فيما أخطأ فيه أجر، وهو إلى أن يكون عليه في ذلك إثم لتوانيه وتفريطه في الاجتهاد حتى أخطأ؟ فالجواب: إن هذا غلط، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يجعل للمخطئ أجراً على خطئه، وإنما جعل له أجراً على اجتهاده، وعفا عن خطئه، لأنه لم يقصده ". (4)
وقال أبو حامد الغزالي: "ولم يثبت لنا أن الخطأ في التأويل موجب للتكفير، فلا بد من دليل عليه، وثبت أن العصمة مستفادة من قول: لا إله إلا
(1) رواه البخاري ح (7353)، ومسلم ح (1716).
(2) فتح الباري (13/ 320).
(3) الإحكام (2/ 652).
(4) الفقيه والمتفقه (1/ 191).