وهذا الكلام تجسده الرواية الآتية: فعن هشام بن عروة عن أبيه قال: "قال الحسن حين حضرته الوفاة: أدفنوني عند قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم إِلاَّ أن تخافوا أن يكون في ذلك شر، فإن خفتم الشر فادفنوني عند أمي، وتوفي فلما أرادوا دفنه أبى ذلك مروان وقال: لا، يدفن عثمان في حش كوكب، ويدفن الحسن هاهنا. فاجتمع بنو هاشم وبنو أمية، فأعان هؤلاء قوم وهؤلاء قوم، وجاءوا بالسلاح، فقال أبو هريرة لمروان: يا مروان أتمنع الحسن أن يدفن في هذا الموضع وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له ولأخيه حسين: هما سيدا شباب أهل الجنة ... فلما رأت عَائِشَة السلاح والرجال، وخافت أن يعظم الشر بينهم، وتسفك الدماء قالت: البيت بيتي؛ ولا آذن أن يُدْفَنَ فيه أحد، وقال محمد بن علي لأخيه: يا أخي إنه لو أوصى أن يدفن لدفناه أو نموت قبل ذلك، ولكنه قد استثنى فقال: إلا أن تخافوا الشر، فأي شر أشد مما ترى؟ فدفن بالبقيع إلى جنب أمه" [1].
ويؤيد ذلك أَنَّ الصحابة مع أنهم في أول الأمر كانوا مع موقف عَائِشَة في السماح للحسن بالدفن إلا أنهم لما رأوا الفتنة أمروا الحسين أن ينفذ وصية أخيه في حقن الدماء ودفنه بالبقيع، وكان هذا موقف أبي هريرة رضي الله عنه [2]، وعبد الله بن عمر رضي الله عنهما [3].
رابعًا: أَنَّ هذه الأخبار باطلة متنًا؛ لأنها تعارض روايات صحيحة صريحة توضح سماح عَائِشَة وترحيبها بدفن الحسن مع جده صلى الله عليه وسلم، وإيثارها له، بل قالت لأخيه الحسين لمّا استأذنها في دفن الحسن رضي الله عنه: "نعم، بقي موضع قبر واحد، قد [1] أنساب الأشراف 1/ 389. [2] تاريخ دمشق 13/ 288. [3] تاريخ دمشق 13/ 288.