ثامنًا: اختياره صلى الله عليه وسلم أن يمرض في دارها، ووفاته في بيتها، بين سحرها ونحرها، واجتماع ريقه وريقها في آخر ساعة له من الدنيا، ودفنه في بيتها، فعنها رضي الله عنها: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَسْأَلُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، يَقُولُ: "أَيْنَ أَنَا غَدًا؟، أَيْنَ أَنَا غَدًا؟ " يُرِيدُ يَوْمَ عَائِشَة، فَأَذِنَ لَهُ أَزْوَاجُهُ يَكُونُ حَيْثُ شَاءَ، فَكَانَ فِي بَيْتِ عَائِشَة حَتَّى مَاتَ عِنْدَهَا، قَالَتْ عَائِشَة: فَمَاتَ فِي اليَوْمِ الَّذِي كَانَ يَدُورُ عَلَيَّ فِيهِ، فِي بَيْتِي، فَقَبَضَهُ اللَّهُ وَإِنَّ رَأْسَهُ لَبَيْنَ نَحْرِي [1] وَسَحْرِي [2]، وَخَالَطَ رِيقُهُ رِيقِي، ثُمَّ قَالَتْ: دَخَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ وَمَعَهُ سِوَاكٌ يَسْتَنُّ بِهِ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقُلْتُ لَهُ: أَعْطِنِي هَذَا السِّوَاكَ يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ، فَأَعْطَانِيهِ، فَقَضِمْتُهُ [3]، ثُمَّ مَضَغْتُهُ، فَأَعْطَيْتُهُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَاسْتَنَّ بِهِ، وَهُوَ مُسْتَنِدٌ إِلَى صَدْرِي» [4].
تاسعًا: لم يكن ينزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في لحاف امرأة من نسائه غيرها، فقد قال صلى الله عليه وسلم: «لاَ تُؤْذِينِي فِي عَائِشَة، فَإِنَّهُ وَاللَّهِ مَا نَزَلَ عَلَيَّ الوَحْيُ وَأَنَا فِي لِحَافِ امْرَأَةٍ مِنْكُنَّ غَيْرِهَا»، وفي رواية: «فَإِنَّ الوَحْيَ لَمْ يَأْتِنِي وَأَنَا فِي ثَوْبِ امْرَأَةٍ، إِلا [1] النَّحْر: أَعلَى الصَّدْر. ينظر: الصحاح 2/ 824، ومشارق الأنوار 2/ 6، والنهاية في غريب الحديث والأثر 5/ 27. [2] السَّحْرُ: الرِّئَةُ وما تعلق بهَا، والمعنى: أنه مات وهو مستند إلى صدرها وما يحاذى سحرها منه. ينظر: غريب الحديث للخطابي 1/ 398، والنهاية في غريب الحديث والأثر 2/ 346، والقاموس المحيط ص (405). [3] أَي: مَضَغَتْه بأَسنانها ولَيَّنَتْه. ينظر: مشارق الأنوار 2/ 188، والنهاية في غريب الحديث والأثر 4/ 78، ولسان العرب 12/ 487 .. [4] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المغازي، باب مرض النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ووفاته 6/ 13، رقم (4451)، ومسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة - رضي الله عنهم -، باب في فضل عَائِشَة رضي الله تعالى عنها4/ 1893، رقم (2443).