والإسلام إنما يتشدد هذا التشدد في توحيد العقيدة في اللّه ورسله، لأن هذا التوحيد هو الأساس اللائق بتصور المؤمن لإلهه سبحانه كما أنه هو الأساس اللائق بوجود منظم، غير متروك للتعدد والتصادم. ولأنه هو العقيدة اللائقة بإنسان يرى وحدة الناموس في هذا الوجود أينما امتد بصره. ولأنه هو التصور الكفيل بضم المؤمنين جميعا في موكب واحد، يقف أمام صفوف الكفر، وفي حزب واحد يقف أمام أحزاب الشيطان .. ولكن هذا الصف الواحد ليس هو صف أصحاب الاعتقادات المحرفة - ولو كان لها أصل سماوي - إنما هو صف أصحاب الإيمان الصحيح والعقيدة التي لم يدخلها انحراف.
ومن ثم كان «الإسلام» هو «الدين».وكان «المسلمون» «خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ» المسلمون المعتقدون عقيدة صحيحة، العاملون بهذه العقيدة. لا كل من ولد في بيت مسلم، ولا كل من لاك لسانه كلمة الإسلام! وفي ظل هذا البيان يبدو الذين يفرقون بين اللّه ورسله، ويفرقون بين بعض الرسل وبعض، منقطعين عن موكب الإيمان، مفرقين للوحدة التي جمعها اللّه، منكرين للوحدانية التي يقوم عليها الإيمان باللّه [1].
2 - الإيمانُ بكلِّ من جاء ذكره بعينه و اسمه:
وقد ذكر القرآن الكريم خمسةً وعشرين رسولاً وهم (آدَمُ - أَيُّوبُ - إِبْرَاهِيمُ - إِدْرِيسُ - إِسْحَاقُ - إِسْمَاعِيلُ - إِلْيَاسُ - الْيَسَعُ - دَاوُودُ - ذُو الْكِفْلِ - زَكَرِيَّا - سُلَيْمَانُ - شُعَيْبٌ - صَالِحٌ - عِيسَى - لُوطٌ - مُحَمَّدٌ - مُوسَى - نُوحٌ - هَارُونُ - هُودُ - يَحْيَى - يَعْقُوبُ - يُوسُفُ - يُونُسٌ (ذُو النُّونِ)،أما من لم يذكر باسمه فإنَّ الواجب أن نؤمنَ به إجمالاً قال الله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذَا جَاء أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ} (78) سورة غافر.
إن لهذا الأمر سوابق كثيرة، قص اللّه على رسوله بعضها في هذا الكتاب، وبعضها لم يقصصه. وفيما قصه من أمر الرسل ما يشير إلى الطريق الطويل الواصل الواضح المعالم [1] - في ظلال القرآن للسيد قطب - ت- علي بن نايف الشحود [ص 1162]