عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ (193) رَبَّنَا وَآَتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (194) [آل عمران/190 - 194]}.
إنهما لا يلتقيانِ في التفكيرِ، ولا في الميزانِ الذي توزنُ به الأشياءُ والأحداث، ولا في الأحكامِ، وبالتالي: فبقدرِ ما تسمو أخلاقُ الأوَّل وتعلو همتُه لسموِّ منهجه وميزانهِ بقدر ما تسفلُ وترذلُ أخلاقُ الآخرِ لسفالة تصورهِ وفساد ميزانِه. قال تعالى في وصف أهل الدنيا: {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} (7) سورة الروم.
9 - الفوزُ برضا الله سبحانه وجنته، والنجاةُ من سخطه والنار:
وهذه ثمرةُ الثمار، وغايةُ الغايات، قال تعالى: ((كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ المَوْتِ وَإنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا إلاَّ مَتَاعُ الغُرُورِ)) [آل عمران:185].
إنه لا بدَّ من استقرار هذه الحقيقة في النفس: حقيقةُ أنَّ الحياة َفي هذه الأرض موقوتةٌ، محدودةٌ بأجل؛ ثم تأتي نهايتُها حتماً .. يموتُ الصالحون يموتُ الطالحون. يموت المجاهدون ويموت القاعدون. يموت المستعلون بالعقيدة ويموت المستذَلون للعبيد. يموت الشجعانُ الذين يأبون الضيم، ويموتُ الجبناء الحريصون على الحياة بأيِّ ثمن .. يموت ذوو الاهتمامات الكبيرةِ والأهدافِ العالية، ويموتُ التافهون الذين يعيشون فقط للمتاعِ الرخيص. الكل يموت .. {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} .. كلُّ نفس تذوقُ هذه الجرعة، وتفارقُ هذه الحياة .. لا فارقَ بين نفس ونفس في تذوق هذه الجرعة ِمن هذه الكأسِ الدائرة على الجميع. إنما الفارق في شيء آخر؛ الفارق في قيمة أخرى. الفارق في المصير الأخير: {وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} ..
هذه هي القيمة التي يكون فيها الافتراقُ. وهذا هو المصير الذي يفترق فيه فلانٌ عن فلان. القيمةُ الباقيةُ التي تستحقُّ السعي والكدَّ. والمصيرُ المخوِّف الذي يستحقُّ أن يحسب له ألفَ حساب: