تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (30) سورة الروم، وقوله تعالى: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} (14) سورة الملك، والواقعُ شاهدٌ على موافقةِ الفطرة للعقيدةِ الإسلامية القائمةِ على الإخلاصِ لله وحدَهُ، فما أنْ يصابَ الإنسانُ بضرٍّ تعجزُ أمامَه القوى الماديةُ إلا ويلجأُ إلى اللهِ تعالى في تذللٍ وخضوعٍ، ويستوي في ذلك الكافرُ والمؤمنُ، قال تعالى: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَاءتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنِّ مِنَ الشَّاكِرِينَ} (22) سورة يونس، بل حتى الطفلُ الصغيرُ, فإنه لو تُركَ على حالهِ دون أنْ يؤثرَ عليه والداهُ أو البيئةُ من حولِه لنشأَ معتقداً بالله تعالى ربًّا وإلهاً لا يعبدُ سواهُ. فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ، كَمَثَلِ الْبَهِيمَةِ تُنْتَجُ الْبَهِيمَةَ، هَلْ تَرَى فِيهَا جَدْعَاءَ» (أخرجه الشيخان) [1].
5 - عقيدةٌ توقيفيةٌ مبرهَنةٌ:
تتميزُ العقيدةُ الإسلامية بأنها توقيفيةٌ, فلا تجاوزَ فيها للنصوص المثبتةِ لها, كما إنها عقيدةٌ مبرهنةٌ تقوم على الحجةِ والدليل، ولا تكتفي في تقرير قضاياها بالخبرِ المؤكِّد والإلزام الصارمِ، بل تحترمُ العقولَ والمبادئَ التي يقومُ عليها الدينُ كلُّه, ذلك أنها لا تثبُتُ في جميع جزئياتها وكلياتهِا إلا بدليلٍ من الكتابِ أو السُّنةِ. بل إنَّ أتباعها منهيونَ عن الخوضِ في مسائلِها إلا عن علمٍ وبرهانٍ, قال تعالى: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} (36) سورة الإسراء، وقال تعالى: {وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (115) سورة التوبة، كما أنَّ القرآنَ الكريمَ حين يدعوا الناس إلى الإيمانِ بمفرداتِ العقيدةِ يقيمُ على ذلك الأدلةَ الواضحةَ من آياتِ الأنفس ِوالآفاقِ، فلا يدعوهم إلى [1] - البخاري برقم (1385) ومسلم برقم (6926) = جدعاء: مقطوعة الأطراف =الجمعاء: مكتملة الأعضاء