يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ {7} [الروم]،والفرق ظاهر بين علم الخالق وعلم المخلوق، إذ لو تساوى علمُ المخلوق بعلم الخالق لتساوى الخالقُ والمخلوقُ، وهذا لا يعقل، بل الفارق بين العلمين كالفرق بين الذاتين، فإذا كان الأمر متعلقا بعالم الغيب والاعتقاد فيه - وقد قررنا أن مسألة الإيمان بالخالق الواحد وعبادته أمر فطري -فإذاً لا بد من تحديد السبل إلى معرفة الأمور الغيبية التي لا تدركها حواسنا ولا تحيط بها عقولنا من أمور الاعتقاد بالدين.
مصادر التلقي:
المصدر الأول: الخبر الصادق من الله تعالى أو من رسوله:
يكون الله تعالى مصدراً مباشراً للمعرفة البشرية في أمور الاعتقاد وغيرها بثلاثة طرق، كما في قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ {51} الشورى}،فقد ذكر الله تعالى في هذه الآية ثلاث مراتب للإخبار لا تكون إلا للأنبياء، وهذه المراتب هي:
1 - تكليم الله تعالى عبده يقظة بلا واسطة، كما كلَّم موسى عليه السلام {وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا {164 [النساء].
2 - مرتبة الوحي المختص بالأنبياء كما قال تعالى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا {163} [النساء].
3 - إرسال الرسول الملكي إلى الرسول البشري، فيوحي إليه عن الله تعالى ما أمره أن يوصله إليه قال تعالى: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ {193} عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ {194} سورة الشعراء
وقال تعالى عما يخبر به الرسول: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) [النجم/3،4]
فكلُّ ما أخبر به الرسول - صلى الله عليه وسلم - حقٌّ وصدقٌ، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ كُنْتُ أَكْتُبُ كُلَّ شَىْءٍ أَسْمَعُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أُرِيدُ حِفْظَهُ فَنَهَتْنِى قُرَيْشٌ وَقَالُوا أَتَكْتُبُ كُلَّ شَىْءٍ