عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى} . أما إيتاء المال فقد ثبت في الصحاح عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: أن إنفاق أبي بكر أفضل من إنفاق غيره، وأن معاونته له بنفسه وماله أكمل من معاونة غيره ففي الصحيح عن النبي أنه قال: «ما نفعني مال قط كمال أبي بكر» [1] . فقد نفى عن جميع مال الأمة أن ينفعه كنفع مال أبي بكر فكيف تكون تلك الأموال المفضولة دخلت في الآية والمال الذي هو أنفع الأموال له لم يدخل فيها؟! ولم يكن يأكل من أحد صدقة ولا صلة ولا نذرًا؛ بل كان يتجر ويأكل من كسبه، ولما ولي الناس واشتغل عن التجارة بعمل المسلمين أكل من مال الله ورسوله الذي جعله الله له؛ لم يأكل من مال مخلوق. ولم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - يعطيه شيئًا من الدنيا يخصه به؛ بل كان في المغازي كواحد من المسلمين؛ بل يأخذ من ماله ما ينفقه على المسلمين. وقد استعمله النبي - صلى الله عليه وسلم - وما عرف له أنه أعطاه عمالة. ولم يطلب من النبي - صلى الله عليه وسلم - مالاً قط ولا حاجة دنيوية، وإنما كان يطلب منه العلم. وفي صلح الحديبية لما قال لعروة بن مسعود: امصص بظر اللات، أنحن نفر وندعه؟! قال لأبي بكر: لولا يد لك عندي لما أجزك بها لأجبتك. وفي المسند لأحمد: «أنا أبا بكر رضي الله عنه كان يسقط السوط من يده فلا يقول لأحد ناولني إياه، ويقول: إن خليلي أمرني أن لا أسأل الناس شيئًا» [2] . فكان أبعد الناس عن النعمة التي تجزي، وأولاهم بالنعمة التي لا تجزى فهو أحق الناس بالدخول في هذه الآية. [1] أخرجه أحمد، وتقدم أيضًا حديث: «إن أمن الناس علي في صحبته وماله أبو بكر» . [2] عن ابن أبي مليكة قال: «كان ربما سقط الخطام من يد أبي بكر قال: فيضرب بذراع ناقته فينيخها فيأخذه. قال: فقالوا له: أفلا أمرتنا نناولكه. فقال: إن حبي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرني ألا أسأل الناس شيئًا» (المسند جـ5/159 جـ 1 ص11) .