نام کتاب : الهجرة النبوية - دراسة وتحليل نویسنده : محمد السيد الوكيل جلد : 1 صفحه : 170
ويزداد حنينه إلى الوطن، فيضطجع في فناء البيت، ويرفع عقيرته قائلا بعد أن تفارقه الحمى:
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة ... بفخ وحولي إذخر وجليل
وهل أردن يوما مياه مجنة ... وهل يبدون لي شامة وطفيل1
إن حب الوطن قد أدى ببلال أن يعود بخياله إلى مكة، وأن يشعر بحنين زائد إلى أحيائها التي تربى بينها، وقضى شبابه بين ربوعها، فتمنى أن يقضي فيها ولو ليلة، ويمتع ناظريه برؤية جبالها ونباتاتها.
ويعلم الرسول- صلى الله عليه وسلم- بذلك فلم يلم بلالا على ما قال، ولكنه يرق لحال المهاجرين، ويقدر عواطفهم، ويدعو الله- عز وجل- أن يثبتهم على هجرتهم وأن يحبب إليه المدينة كحبهم مكة أو أشد[2].
أفبعد هذا يقول قائل إن الهجرة فرصة للراحة من عناء التعذيب، أو وسيلة ترويح عن المضطهدين؟
1 ابن هشام ([2]/169) . [2] نفسه ([2]/169) .
مكة البلد الأمين:
ولد الرسول في مكة، وقضى شبابه في ربوعها، وتزوج سيدة نسائها، وكان فيها محبوبا أثيرا، كل أهلها يقدره ويجله، ويرون فيه جميعا أنموذجا للشباب الطموح، حيث كان يترفع عن التافه من الأمور، ويربأ بنفسه عن سفسافها.
وكانت مكة تتميز عن قرى الجزيرة كلها بقدسية لم تطمع فيها قرى تفوقها جمالا وخصوبة، وتمتاز بنسيمها العليل، وحدائقها الغناء.
إن قرى الجزيرة مهما تفوقت في الخصائص المادية لن تبلغ مبلغ مكة في منزلتها الروحية، فقد اختارها الله - تبارك وتعالى- لتكون محل بيته العتيق، وجعلها حرما آمنا، ليس للإنسان فقط ولكن الإنسان والحيوان والطيور والنبات، ففي رحابها يأمن الخائف، وفي كنفها يأنس المستوحش، وبين جنبيها يجد الحائر السكينة.
عرف العرب لأم القرى تلك المكانة فقدسوها، وأدركوا أنها لا يبغي فيها ظالم إلا قصمه الله فتجنبوا الظلم، عاش أهلها في ظل بيت الله آمنين في وقت كان الناس يتخطفون من حولهم وقد ذكرهم الله - عز وجل- بتلك النعمة فقال- جل من قائل-: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ} [3].
ولما استحلت جرهم حرمة البيت، وأكلوا ما كان يهدى إليه، وظلموا فيه سلط الله عليهم خزاعة فقاتلوهم حتى أخرجوهم من مكة.
1 ابن هشام (2/169) . [2] نفسه (2/169) . [3] العنكبوت الآية 67.
نام کتاب : الهجرة النبوية - دراسة وتحليل نویسنده : محمد السيد الوكيل جلد : 1 صفحه : 170