نام کتاب : الهجرة النبوية - دراسة وتحليل نویسنده : محمد السيد الوكيل جلد : 1 صفحه : 173
أمرهم، وعظم خطرهم. إن الإسلام يحتم علينا أن نعلم هؤلاء وأمثالهم، وأن نقرع حججهم بحجج أقوى منها وأوضح، وأن نبين الحق إذا التبس على الناس، حتى يفيق الغافلون، ويهتدي الحائرون، ولو أننا سلكنا هذا السبيل لماتت الفتنة في مهدها، ولكفينا ويلاتها.
وإننا لنحمد الله - عز وجل- أن أعاد للبلد الأمين حرمته، ورد على أهله السكينة والاطمئنان، ووفق أولي الأمر لإعادة الأمور إلى نصابها فاللهم أصلحهم وأصلح بهم، وزدهم من فضلك توفيقا وتسديدا.
الهجرة سبيل الأنبياء:
الهجرة كما قلت سابقا ليست وسيلة للراحة، وإنما هي أسلوب من أساليب نشر الدعوة، وطريقة للمحافظة عليها من بغي الباغين وعدوان الطغاة، ولهذا كانت الهجرة سبيل الأنبياء من قبل نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم- يرتادون فيها الأرض الخصبة التي تحتضن الدعوة، ويبحثون أثناءها عن البذور الطيبة الصالحة للإخصاب.
فإبراهيم - عليه السلام- أبو الأنبياء يدعو قومه إلى التوحيد الخالص والعقيدة الصحيحة فيتآمرون عليه، ويكيدون له، ويتعصبون ضد دعوته، فيترك بلده الذي ضاق به، ويودع أهله الذين تآمروا عليه، ويفر من كوثى في سواد الكوفة إلى حران ثم إلى الشام، والقرآن الكريم يقص علينا ذلك فيقول: {فَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الأَسْفَلِينَ وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي} [1].
ولوط - عليه السلام- لما رأى أن النار لم تحرق عمه إبراهيم، وأنه خرج منها كأنه لم يدخلها آمن لإبراهيم، وصدقه فيما جاء به، وخرج معه مهاجرا {فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [2].
وموسى يتآمر عليه فرعون، ويضايقه في دينه، فيأمره الله أن يترك هذا البلد الذي لم يستطيع فيه تبليغ دعوته، وأن يهاجر بقومه إلى حيث يمكنه عبادة ربه وأداء رسالته، قال تعالى: {فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلاً إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً إِنَّهُمْ جُنْدٌ} [3].
لم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أول من هاجر من الرسل، بل سبقه بالهجرة رسل كرام على الله، خرجوا بدينهم امتثالا لأمر الله - عز وجل- فسنوا بذلك الهجرة لمن أتى بعدهم من النبيين والمصلحين حتى لا يعتذر معتذر ببغي الباغين واضطهاد الظالمين، أو يقول قائل: كنت في أرض يسيطر عليها الطغاة ولم يسمحوا لنا بنشر الدعوة ولا بقول كلمة الحق، وحينئذ يكون السؤال {أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا؟} [4].
فماذا تكون الإجابة؟؟ [1] الصافات: الآية (98ـ99) . [2] العنكبوت: الآية: 26. [3] الدخان الآية: 23ـ24. [4] النساء الآية: 97.
نام کتاب : الهجرة النبوية - دراسة وتحليل نویسنده : محمد السيد الوكيل جلد : 1 صفحه : 173