الأمر الثالث الذي ينعزل به رئيس الدولة أو الإمام الأعظم: ذهاب الحواس المؤثرة في الرأي أو العمل، والكلام في هذه الناحية يتناول ثلاثة نقائص هي: العمى، والصمم، والخرس.
فأما العمى: فإنه إذا أصيب به الرئيس بعد توليته أبطل رياسته كما يبطل ولاية القضاء وتردّ به الشهادة، وأما إذا ضعف بصره فينظر، فإن كان يستطيع معه معرفة الأشخاص التي يراها لم يقبح ذلك في رياسته، وإلا فتبطل رياسته، وأما العشاء وهو عدم الإبصار ليلًا فكما أنه لا يكون مانعًا عن عقد الرياسة له ابتداء لا يكون ذلك قادحًا في استدامة الرياسة من باب أولى.
وأما الصمم: فقد اخْتَلَف العلماء في طروئه على رئيس الدولة: هل يكون ذلك قادحًا في رياسته أم لا على ثلاثة مذاهب:
الأول وهو أصحّها: أنه ينعزل بذلك كانعزاله بالعمى لتأثيره في التدبير والعمل.
والثاني: لا ينعزل؛ لأن الإشارة تقوم مقام السمع والخروج من الرياسة لا يكون إلا بنقص كامل.
والرأي الثالث: يفرق بينما إذا كان يحسن الكتابة وما إذا لم يكن يحسنها فقال: إن كان يحسن الكتابة لم تبطل رياسته بالصمم، وإن كان لا يحسنها بطلت رياسته به؛ لأن الكتابة مفهومة والإشارة موهومة، وأما إذا ثقل سمعه بأن كان لا يسمع إلا الصوت العالي فإن ذلك بالاتفاق لا يقدح في رياسته، وأما الخرس فقد اختلف في طروئه على الرئيس كالخلاف السابق في الصمم والأصحّ كما سبق في الصمم أنه ينعزل به.
هذا ما يتصل بذهاب الحواس المؤثرة في الرأي أو العمل، وأما ما لا يؤثر ذهابه في الرأي والعمل كذهاب حاسة الشم وفقدان الذوق الذي يدرك به الطعام فباتفاق العلماء لا ينعزل الرئيس به.