أعوان المحتسب ومساعدوه
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد:
معلوم أن المحتسبين مهما كثر عددهم، فإنهم لا يغطون تلك الاختصاصات والمسئوليات الواسعة التي ينبغي، بل يجب أن يغطيها عمل المحتسب، ولا سيما وأننا قلنا أن الاحتساب شامل لوظائف الدين والحياة كلها.
وقد كان اتخاذ الأعوان والمساعدين في السابق أكثر منه في الحاضر، وإن كان لا زال المُحتسب يستفيد من تعاون وخدمات أولئك الأعوان؛ ذلك لأن التنظيم لولاية الحسبة وتكثير أعضائها في الماضي لم يكن بمثل ما هو عليه الآن، فقد كان جهاز الحسبة في الماضي يتكون من شخصية المحتسب، ومن يتخذه لمساعدته من الأعوان والعيون، وأمناء الحرف، وعرفاء في شئون المهن والصناعات.
وقد استدعت الشمولية في عمل المحتسب أن يعزز إدارته أيضًا بالنواب، ولا سيما في الأمصار الكبيرة ذوات الضواحي الآهلة، والأسواق المزدحمة بخدم مسخرين بمهمات تسيير أشغاله، وأعوان فنيين من وجوه أرباب الصنائع الذين يستظهر بهم في هذه المهام؛ ليطلعوه على خفي أسرار أصحاب الحرف والتجارة؛ حتى لا يخفى عليه من أمور السوق كثير ولا قليل، ولا يستتر عليه من الأمر دقيق ولا جليل، وهؤلاء هم المساعدون، وهم الذين أصبح يطلق عليهم العرفاء.
وعن العرفاء واختيارهم كأعوان للمحتسب يقول الشيزري: "ولما لم تدخل الإحاطة بأصحاب السوقة -يعني: أصحاب الحرف والصناعات- تحت وسع المحتسب جاز له أن يجعل لأهل كل صنعة عريفًا من صالح أهلها، خبيرًا بصناعتهم، بصيرًا بغشوشهم وتدليساتهم،