بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس الثالث عشر
(الاحتساب)
معنى الاحتساب، ومراتبه
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسول هـ، أما بعد:
الاحتساب معناه: عرّفنا الحسبة بأنها أمر بمعروف إذا ظهر تركه، ونهي عن المنكر إذا ظهر فعله؛ فنحن إذًا نريد بالاحتساب القيام فعلًا بالحسبة؛ كأن يقومَ المُحْتَسِبُ بفِعْلٍ مُعَيّن بكيفية معينة، أو يزيل منكرًا بيده؛ كأن يكسره أو يمزقه أو يتلفه، أو يدفع صاحب المنكر بيده، وبالقوة عما هو فيه.
والاحتساب الكامل يتمُّ بإزالة المنكر تمامًا، ومحوه فعلًا، ولو بالقوة عند الاقتضاء من قَبَل المحتسب أو أعوانه، أو من قبل صاحب المنكر نفسه؛ بأن يأمره المحتسب بتكسير آلة المنكر فيطيع أمره، فإن عجز المحتسب عن التغيير باليد انتقل إلى الاحتساب بالقول، عن طريق الوعظ والإرشاد، والتخويف من الله تعالى.
وقد يزول المنكر بهذا الطريق وقد لا يزول، ويبقى صاحب المنكر مصرًّا على منكره؛ فإذا عَجَزَ المُحْتَسِبُ عن الإنكار بالقول تَحَوّل إلى الإنكار بالقلب، بأن يكرهه بقلبه ويود لو استطاع تغييره.
ودليل ما قلناه الحديثُ الشَّريف الذي هُو العمدة في هذا الموضوع، وهو قوله -صلى الله عليه وسلم-: ((مَنْ رأى منكم منكرًا فليغيره بيده؛ فإن لم يستطيع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان)).
وبناء على ما تقدم تكون مراتب الاحتساب أو درجاته ثلاثة:
المرتبة الأولى: تغييرُ المُنْكَرِ باليَدّ، أي: تَغْييره فعلًا، ولو باستعمال القوة واستعمال السلاح، والاستعانة بالأعوان؛ كما في دفع الصائل لتخليصه النفس البريئة من الموت، وتخليص العِرْضِ المَصُون من الهتك، ويدخل في نطاق التغيير باليد: ضرْبُ المحتَسب عليه، أو حبسه، أو دفعه لمنعه من مباشرة المنكر.