لقد قال الله -تبارك وتعالى-: {لَقَد ْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي كَبَد} (البلد: 4) أي: في تعب ومشقة، وقال: {يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاَقِيه} (الانشقاق: 6) فالإنسان في هذه الدنيا يكدح ويتعب ويشقى.
فإما أن يكون تعبه في سبيل الله، فيستريح بعد طول عناء في جنة عالية قطوفها دانية، فيها نعيم ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
وإما أن يكون التعب هو الشقاء من أجل الدنيا وحدها ليس للآخرة في هذا التعب نصيب، فينتقل من شقاء الدنيا إلى شقاء الآخرة والعياذ بالله.
فعلى المسلم أن يوطن نفسه على القيام بواجب الحسبة واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله، وأن يحتسب ما يلقاه من النصب والتعب في سبيل الله لعل الله -سبحانه وتعالى- يدخله جَنَّاتُ عَدْنٍ تجري من تحتها الأنهار يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِير {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُور * الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ لاَ يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلاَ يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوب} (فاطر: 34، 35).
الرد على من قال بعدم استجابة الناس له، وأنه يأمر ولا يطيعونه، وينهى ولا يطيعونه
وقد يتشبث البعض بعدم استجابة الناس وأنه يأمر ولا يطيعونه، وينهى ولا يطيعونه.
والجواب على هذه الشبهة: أن المطلوب من الداعي أن يدعو إلى الله، وهذا هو الواجب عليه، وليس المطلوب منه أن يستجيب الناس، فقد قال الله تعالى: {وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِل اَّ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ} (النور: 54).
فإذا كان الرسول غير مكلف إلا بالتبليغ فغيره من آحاد الأمة أولى ألا يكلف بغير التبليغ، وتعليل ذلك من وجهين: