نام کتاب : كيف نحب الله ونشتاق إليه نویسنده : مجدي الهلالي جلد : 1 صفحه : 46
ولكن الحليم لا يسمح بذلك {إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولاَ وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} [فاطر: 41].
الخليل يرى الملكوت
لقد حدث - أخي القارئ - لإبراهيم عليه السلام ما كنا نتخيله منذ قليل "وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ" [الأنعام: 75] فلقد رُفع إلى ملكوت السماوات، ونظر إلى أهل الأرض، ورأى منهم ما رأى من معاص وفجور فماذا كان رد فعله وهو كما وصفه الله عز وجل {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ} [هود: 75].
فعن سلمان الفارسي قال: لما رأى إبراهيم ملكوت السماوات والأرض رأى رجلا على فاحشة فدعا عليه فهلك، ثم رأى آخر على فاحشة فدعا عليه فهلك، ثم رأى آخر على فاحشة فدعا عليه، فأوحى الله إليه: أن يا إبراهيم مهلا فإنك رجل مستجاب لك، وإني من عبدي على ثلاث خصال: إما أن يتوب قبل الموت فأتوب عليه، وإما أن أُخرج من صلبه ذرية يذكروني، وإما أن يتولى فجهنم من ورائه» [1].
الستير
ومع حلمه العظيم وصبره سبحانه على عباده، فإنه كذلك ستير، يسترهم ولا يفضحهم رغم إساءاتهم البالغة.
تخيل - أخي القارئ- أن صديقك الذي يحبك وتحبه، قد علم أنك قد حسدته على الخير الذي أتاه .. ماذا ستكون مشاعره تجاهك؟!
ولو علم من اغتبته بما ذكرته عنه .. بأي وجه سيلقاك بعد ذلك؟!
ولو علم الناس حقيقة أمري وأمرك ومدى تقصيرنا في جنب الله، وجرأتنا على معاصيه أتراهم يُقبلون علينا ويبتسمون في وجوهنا؟ وهل سيلقون علينا السلام أصلا؟!
إن من أَجَلّ رحمات الله بعباده ستره لهم، وعدم انكشاف هذا الستر أمام بعضهم البعض، وإلا لما استطاعوا أن يتعايشوا فيما بينهم، أو يتوادوا، أو يتراحموا، ولما أقدم بعضهم على مساعدة البعض، ومن ثمَّ يصبح الجميع فريسة سهلة للشيطان.
بل إنه سبحانه يستحثنا على ستر بعضنا البعض، ووعد بعظيم الجزاء لمن ستر أخاه.
يقول صلى الله عليه وسلم «لا يستر عبد عبدًا في الدنيا إلا ستره الله يوم القيامة» [2].
هذه في الدنيا, أما في الآخرة فيستمر الستر لعباده المؤمنين.
قال صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى يُدني المؤمن، فيضع عليه كنفه، وستره من الناس، ويقرره بذنوبه، فيقول: أتعرف ذنب كذا؟ أتعرف ذنب كذا؟ فيقول: نعم أي رب، حتى إذا قرره بذنوبه، ورأى في نفسه أنه قد هلك، قال: فإني قد سترتها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم، ثم يُعطى كتاب حسناته بيمينه» [3].
وإليك هذه القصة:
ونختم الحديث عن هذا المظهر العظيم من مظاهر حب الله لعباده بهذه القصة التي وقعت أحداثها في زمن موسى - عليه السلام - إذ أصاب قومه القحط، فاجتمع الناس إليه، فقالوا: يا كليم الله, ادع لنا ربك أن يسقينا الغيث، فقام معهم، وخرجوا إلى الصحراء وهم سبعون ألفًا أو يزيدون. فقال موسى عليه السلام: إلهي, اسقنا غيثك، وانشر علينا رحمتك، وارحمنا بالأطفال الرُضَّع، والبهائم الرُتع، والمشايخ الركع، فما زادت السماء إلا تقشُّعًا، والشمس إلا حرارة وأوحى الله إليه إنَّ فيكم عبد يبارزني منذ أربعين سنة بالمعاصي، فناد في الناس حتى يخرج من بين أظهركم، فبه منعتكم.
فقام مناديًا وقال: أيها العبد العاصي الذي يبارز الله منذ أربعين سنة, أخرج من بين أظهرنا، فبك مُنعنا المطر. [1] أخرجه سعيد بن منصور وابن أبى شيبة وابن المنذر وأبو الشيخ كما في الدر المنثور للسيوطي 3/ 45. [2] رواه مسلم. [3] صحيح الجامع الصغير ح (1894).
نام کتاب : كيف نحب الله ونشتاق إليه نویسنده : مجدي الهلالي جلد : 1 صفحه : 46