نام کتاب : كيف نحب الله ونشتاق إليه نویسنده : مجدي الهلالي جلد : 1 صفحه : 51
ما بال أقوام؟!
ومن صور مراعاته سبحانه لطبيعة النفس البشرية توجيهه الغير مباشر لعباده في خطابه لهم، فحين يريد تحذير المؤمنين من القيام بفعل ما، فإنه لا يتوجه مباشرة بذلك - في غالب الأحيان - بل يحدثهم عن أناس آخرين - بصيغة النكرة - ويشهَّدهم عليهم، ويجعلهم يستنكرون أفعالهم، مع أنهم قد يكونون هم المعنيين بهذا التحذير، ومن ذلك قوله تعالى: "وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لاَ تُحْصُوهَا" [إبراهيم: 34] الخطاب هنا موجه لنا بأن علينا أن نجتهد في إحصاء نعم الله كصورة من صور الشكر، ومن المفترض أن يكون التحذير الذي تتضمنه الآية بعد ذلك من مغبة عدم ذكر النعم حتى لا نقع في دائرة الظلم والكفر موجه لنا كذلك، فهل جاء الخطاب يحمل هذا المعنى المباشر.
لا، لم يحدث ذلك، بل جاء وكأنه يخاطب شخصًا آخر: {وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} [إبراهيم: 34].
الخطاب موجه للإنسان, وكأنه شخص آخر بعيد لا نعرفه، مع أن الخطاب في بدايته موجه لنا، ومما لا شك فيه أن هذا التلطف العجيب في التوجيه والنصح له دور كبير في استقبال النصيحة بنفس هادئة.
لماذا العقاب؟
ومن مظاهر خطابه المطمئن لعباده أنه يذكر لهم دومًا السبب الذي من أجله عاقب فردًا أو قومًا في الماضي، مع أنه الإله العظيم ملك الملوك الذي لا ينبغي أن يُسأل عما يفعل، لكنه في نفس الوقت الرب الودود الذي يحب عباده ويريد منهم أن يفروا إليه، لا أن يفروا منه، لذلك تراه سبحانه يُفصَّلِ في الأسباب التي أدت إلى عقوبة العصاة، وأنه قد صبر عليهم وأمهلهم وأعطاهم الفرصة تلو الفرصة، ولكنهم هم الذين أبوا العودة إليه، وأصروا على طغيانهم، واستكبروا عليه سبحانه، وحاربوا عباده، فاستدعوا بأفعالهم الكثيرة الظالمة غضب الحليم عليهم {وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلاَّ وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ} [القصص: 59].
ومع العقاب المستحق للظالمين، والذي يقع بعد طول إمهال، نجد التعقيب القرآني: {يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} [يس: 30]. فالله عز وجل لا يرضى لعباده هذا المصير، وأنهم هم الذين أبوا أو استكبروا إلا أن يسيروا إليه، ولو تأملنا القرآن لوجدنا أن هذا الأمر واضح فيه تمام الوضوح، وأن الله عز وجل لا يظلم أحدا، لذلك نجده سبحانه يذكر لنا دومًا أسباب العقوبة التي يعاقب بها الناس.
تأمل معي قوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ}.
فماذا فعل أهل سبأ؟ هل شكروا هذه النعم العظيمة؟ لم يفعلوا ذلك، بل أكلوا من رزق ربهم ولم يشكروا له؟ وتبطروا على نعمه، فاستدعوا العقاب من الله عز وجل لهم {فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ} ثم تأتي حيثيات هذه العقوبة {ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا} ويتلوها الخطاب المطمئن {وَهَلْ نُجَازِي إِلاَّ الْكَفُورَ} [سبأ: 15 - 17].
نام کتاب : كيف نحب الله ونشتاق إليه نویسنده : مجدي الهلالي جلد : 1 صفحه : 51