فالهجرة على عضم منزلتها في الإسلام، حتى قال تعالى في فضلهم {الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} التوبة20
وقال النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في فضل الهجرة:" لولا الهجرة لكنت امرءا من الأنصار ... " [1].
وقد أمر النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أصحابه بالهجرة بيدأن لها زمناً محدداً، فكانت الهجرة فرض عين ثم نسخت بهذا الحديث [2]، فالنبيّ - صلى الله عليه وسلم - رسم لها خطة زمنية محددة، ابتدأت في ساعة وانتهت في ساعة.
قال الحافظ في الفتح:" وإنما كان كذلك؛ لأنّ مكة بعد الفتح صارت دار إسلام فالذي يهاجر منها للمدينة إنما يهاجر لطلب العلم أو الجهاد لا للفرار بدينه بخلاف ما قبل الفتح" [3].
ومن ذلك أنّ الله تعالى شرع لنبيه - صلى الله عليه وسلم - إعطاء سهم من أسهم الزكاة لمن يريد أن يتالفه للإسلام، فكان النبيّ - صلى الله عليه وسلم - يعطي الرجل الغني من مال الزكاة والخمس؛ ليقربه من الدين ويتألفه حتى يقوى عوده في الإسلام ويعايش كبار المسلمين فيقوى ويصلب في الدين، فعن أنس - رضي الله عنه -، قال: قال النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "إني أعطي قريشا أتألفهم، لأنهم حديث عهد بجاهلية" [4].ومن هؤلآء صفوان بن أمية، فأخرج مسلم من حديث صفوان أنّه قال: «والله لقد أعطاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أعطاني، وإنه لأبغض النّاس إليّ، فما برح يعطيني حتى إنه لأحب النّاس إليّ" [5].
فالهدف من هذا السهم هو تأليف القلوب للإسلام في فترة من الفترات الزمنية المحددة، وينتهي زمنه بقوة الدين في نفوس النّاس، لذا فإن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أوقف هذا السهم.
قال ابن تيمية:"وما شرعه النبيّ - صلى الله عليه وسلم - شرعاً معلقاً بسبب إنما يكون مشروعاً عند وجود السبب: كإعطاء المؤلفة قلوبهم؛ فإنه ثابت بالكتاب والسنة. وبعض النّاس ظنَّ أنَّ هذا نسخ، لما روي عن عمر - رضي الله عنه -: أنه ذكر أن الله أغنى عن التألف، {فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ} الكهف29، وهذا الظن غلط؛ ولكن عمر استغنى في زمنه عن إعطاء المؤلفة قلوبهم، فترك ذلك لعدم الحاجة إليه؛ لا لنسخه" [6]. [1] أخرجه بتمامه البخاري (7244)،وغيره. [2] ينظر: فتح الباري، ابن حجر 7/ 259. [3] المصدر نفسه 10/ 185. [4] أخرجه البخاري (2977)،ومسلم 2/ 733 (1059)،وغيرهما. [5] صحيح مسلم 4/ 068 ((2313). [6] مجموع الفتاوى 3/ 260.