نام کتاب : نور وهداية نویسنده : الطنطاوي، علي جلد : 1 صفحه : 26
سنوات ليجربوا فيها تجربة ذرية، وقالوا لأهلها: إننا سنرحّلكم جميعاً بالطيارات ونعطيكم بدل كل ما لكم هنا أكثر منه في أميركا ونسكنكم في بيوت خير من بيوتكم، بشرط أن تقدموا طلباً تربطون به الوثائق المثبتة وأن تستعدوا، فإن الطيارات تأتي تباعاً لنقلكم، فمن دُعي للسفر أجاب حالاً.
فانقسموا أقساماً. قسم قالوا: هذا كله كذب ولا يوجد في الكون شيء اسمه أميركا، ليس في الوجود إلا هذه الجزيرة. هذا هو منطق العلم الذي لا يصدق إلا بما يراه ويلمسه، ولو كانت أميركا هذه التي يزعمونها موجودة حقيقة لرأيناها. فقال لهم العقلاء: يا ويحكم! إنكم تضرّون أنفسكم ولا تشعرون، وإنكم جَهَلة وتدّعون العلم، وأغبياء وتزعمون أنكم من أهل الفقه. إنه سيأتي يومٌ تنقلب فيه بلدكم رأساً على عقب وتزلزل زلزالاً. فلم يصدقوا!
وقسم قالوا بألسنتهم: صدّقنا، ولكنهم لبثوا على ما كانوا عليه؛ ما فكّروا في الاستعداد للسفر ولا طلبوا تعويضهم عن مساكنهم التي ستدمّر بمساكن أخرى في أميركا، وراحوا يزينون دورهم ويتخذون لها فرشاً جديداً وينقشون جدرانها ويشترون لها اللوحات الفنية ليعلقوها فيها، كأنها باقية لهم، لا يعلمون أن ساعة خرابها آتية قريباً.
فقال لهم العقلاء: كيف تقولون بأفواهكم أنكم صدّقتم بأن هذه الجزيرة ستهدم وأن الحياة فيها أصبحت قصيرة، وأن حياتكم الباقية ستكون في أميركا، وأنكم لا تدرون متى تُدعَون إلى السفر، وأنكم حين تُدعَون لا تنتظركم الطيارة دقيقة واحدة،
نام کتاب : نور وهداية نویسنده : الطنطاوي، علي جلد : 1 صفحه : 26