تلك الرحمة وذلك الإمهال، حتى يسألون الله أن يعجل لهم العذاب والنقمة، كما قال سبحانه عن كفار مكة: {وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (32)} [الأنفال: 32].
وتأخير العذاب عن الكفار والفجار إنما هو في الدنيا فقط، وأما في الآخرة فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون، بل يجزون بأعمالهم، ويعاقبون على ذنوبهم، إلا أنه يُرفع العذاب عمن شاء الله من عصاة المؤمنين.
والله غفور حليم، ولولا حلمه عن الجناة، ومغفرته للعصاة، لما استقرت السموات والأرض، لما يحصل من شدة الكفر وعظيم الجرائم من بعض العباد كما قالت النصارى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (91)} [مريم: 88 - 91].
السموات والأرض تهم وتستأذن بالزوال لعظم ما يأتي به العباد من الكفر والفسوق والعصيان، فيمسكهما الله بحلمه ومغفرته، فحلمه ومغفرته يمنعان زوال السموات والأرض، وبحلمه سبحانه صبر عن معاجلة أعدائه بالعقوبة كما قال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (41)} [فاطر: 41].
إن الله حليم غفور، ولو شاء لعاجل العصاة والكفار بالعقوبة، ولأمر السماء فحصبتهم، وأذن للأرض فابتلعتهم، ولكنه سبحانه حليم يمسك بقدرته وحلمه وصبره تفطير السموات، وانشقاق الأرض، وزوال الجبال، ويحبسها عن ذلك بحلمه، فإن ما يأتي به الكفار والمشركون والفجار والعصاة في مقابلة عظمة الله وجلاله، وإكرامه وإحسانه يقتضي ذلك.
ولكن الله جعل في مقابلة هذه الأسباب أسباباً يحبها ويرضاها، ويفرح بها أتم فرح وأكمله من الإيمان والتقوى، والتوبة والاستغفار، تقابل تلك الأسباب التي هي سبب زوال العالم وخرابه.