الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ (62)} [الأنعام: 62].
فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء، خلق الخلق كلهم، وأحصى أعدادهم، وأحصى أعمالهم وأقوالهم، وقدر آجالهم وأرزاقهم.
فعلى العبد أن يحاسب نفسه قبل أن يحاسبه ربه، ويزن أعماله قبل أن توزن، وإنما يفزع إلى ذلك أرباب القلوب، المحسون بأوجاع الذنوب، العالمون يقيناً بمحاسبة علام الغيوب، وإحصائه الطاعات والذنوب، فإن مما يهون الحساب غداً، محاسبة النفس قبل حضور الأجل: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18)} [الحشر: 18].
والله عزَّ وجلَّ إذا جمع عباده يوم القيامه .. حكم بينهم بالحق والعدل .. فوضع لهم الموازين العادلة التي بين فيها مثاقيل الذر .. يوزن بها العامل وعمله .. وتوزن بها الحسنات والسيئات .. فلا تظلم نفس مسلمة أو كافرة شيئاً .. ولو كان مثقال حبة من خردل من خير أو شر .. فالله يظهره ويحضره ليجازي به صاحبه.
ولن يفلت أحد من الموت، كما أنه لن يفلت أحد من الحساب كما قال سبحانه: {إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ (25) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ (26)} [الغاشية: 25 - 26].
واذا كان الله قد أبقى الإنسان في بطن أمه شهوراً ليكمل خلقه، وأبقاه في الدنيا سنيناً ليكمل عمله، فهو بعد هذا .. وهذا راجع إليه بعد الموت، فيحاسبه ثم يثيبه أو يعاقبه حسب عمله يوم القيامة: {الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (56) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (57)} [الحج: 56 - 57].