والصوارف والطوارق، وأدركني التعب والسأم والملل لطول الطريق، وبعد المسافة، وكثرة المزالق، فضعفت العزيمة، وزادت الحسرة والألم، فيا لها من مصيبة وقعت في وسط هذا البحر الأعظم، أصابت مسكيناً لا يحسن الترحال بين جزائر هذا البحر الكبير، وليس معه نفقة تبلغه إلى مقصوده، فيا ليته عند أهله، وما اقتحم ما اقتحم.
فما أحوج هذا المسكين إلى رحمة ربه وعونه وتوفيقه، وما أحوجه إلى أن يستغفر ربه من ذنوبه وعيوبه، ويتوب إليه من زلاته وعثراته.
وما أجدره بشكر ربه على نعمه وآلائه وإحسانه، لعله يقبل فيعان، ويواصل السير، ويؤدي الأمانة إلى أهلها، ويسلم البضاعة إلى أصحابها.
هذا وإن الإخلاص عزيز .. وتحقيقه في كل عمل أعز .. خاصة فيما يجلب الشهرة للعبد من رئاسة أو مال أو علم، فهذه مطايا يبتلى بها الناس، وأهلها أول من تسعر بهم النار إن فقدوا الإخلاص الذي هو روح الأعمال.
فنسأل الله عزَّ وجلَّ أن يرزقنا وإياكم الإخلاص في كل قول وعمل.
ولولا أنه لا بد لكل شيء من مسمى .. ولكل مجموع من جامع .. ولكل مرسوم من راسم .. لتكمل الفائدة بالمقروء والمسموع .. وتتم النصيحة في الزلل والخطأ .. ويحصل الاتصال بين الكاتب والقارئ .. ويتحقق التعاون على البر والتقوى .. لولا ذلك لما قلدناه وأشعرناه بما يدل الناس علينا .. ويجعلهم ينسبون تأليفه وجمعه إلينا.
فذلك كله محض فضل الله تبارك وتعالى، ولسنا علم الله له بأهل ولا كفؤ، ولكن الله كريم يجود بالخير على المقصرين، ويثيب على ذلك بالثواب المضاعف الجزيل، ولولا ذلك لما تجشمناه حتى صار مولوداً.
نسأله عزَّ وجلَّ أن يقبله، وأن يجعله خالصاً لوجهه الكريم، وأن ينفع به عموم الخلق في شتى الأقطار والديار، وأن يعفو عنا ما وقع فيه من زلل وخطأ ونقص غير مقصود، سببه الجهل والقصور البشري الذي طبع الله عليه كل إنسان.