وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (4)} [الرعد: 4].
فالله عزَّ وجلَّ يقلب الليل والنهار، ويقلب ما فيهما، ويقلب أحوال العالم من حر وبرد، ونور وظلام، ورطب ويابس، وحركة وسكون، يفعل ذلك كله كما يشاء، ويسلك بذلك مسلك الحكمة البالغة التي بها يتم مراده، ويظهر ملكه وحكمته وعزته وقدرته: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54)} ... [الأعراف: 54].
والقرآن الكريم عمدته وأصله ومقصوده تحقيق العبودية لله رب العالمين وحده لا شريك له، ومن أجل ذلك بين الله في القرآن أسماءه الحسنى، وصفاته العلا، وأفعاله، وأنواع خلقه، وأنواع حمده، والثناء عليه.
وأظهر كمال قدرته، وعظمته، وعزته وقدرته، وأنواع صنعه.
وتقدم إلى عباده بأمره ونهيه على ألسنة رسله وأنبيائه.
فأخبر عن الكافرين والمكذبين، وذكر ما أجابوا به رسلهم، وما قابلوا به رسالات ربهم، ووصف كفرهم وعنادهم، وكيف كذبوا على الله، وكذبوا رسله، وردوا أمره، فدمرهم الله بألوان العذاب.
فكان ذلك دليلاً على عظمة الرب، وكمال قدرته، وقهره لأعدائه، ونصره لأوليائه.
وكان موقع هذا من خلقه موقع تعظيمه وإجلاله، وتسبيحه تعالى وتنزيهه، وحمده والثناء عليه بما يليق بجلاله.
ومن تمام حمده، تسبيحه وتنزيهه عما وصفه به أعداؤه، والجاهلون به مما لا يليق به من الصاحبة والولد، والفقر والتعب، والشرك، ونفي صفات الكمال عنه، وغير ذلك مما نزه عنه نفسه، وسبح به نفسه.
وكان في ذلك ظهور حمده بخلقه، وتنوع أسبابه، وكثرة شواهده، وسعة طرق الثناء عليه به، وتقرير عظمته، ومعرفته في قلوب عباده.