فالنفس ليس عندها خير يحصل لها منها بل ذلك إلى الله، والنفس متحركة بالذات، فإن لم تتحرك بالخير تحركت بالشر فضرت صاحبها.
والنفس لا تكون إلا مريدة عاملة، فإن لم توفق للإرادة الصالحة وقعت في الإرادة الفاسدة والعمل الضار كما قال سبحانه: {إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22)} [المعارج: 19 - 22].
فخلق الله عزَّ وجلَّ الإنسان على هذه الصفة، ومن كان على غيرها فلأجل ما زكاه الله به من فضله وإحسانه من الإيمان والتقوى.
وخلقه على هذه الصفة هو من الأمور التي يحمد عليها الرب سبحانه، وهو موجب حكمته وعزته، وهي بالنسبة إلى الخالق سبحانه خير وعدل وحكمة.
وبالنسبة إلى العبد تنقسم إلى خير وشر، وحسن وقبيح، كما تكون بالنسبة إليه طاعة ومعصية، وبراً وفجوراً.
ولله تبارك وتعالى الحكمة البالغة، والنعمة السابغة، والحمد المطلق على جميع ما خلقه وأمر به، وعلى توفيقه الموجب لطاعته، وعلى خذلانه الموقع في معصيته.
والله عزَّ وجلَّ رحمته سبقت غضبه، وما يحصل للبشر من الضرر والأذى، فله في ذلك أعظم حكمة مطلوبة.
فكما أن الزارع يحصد الزرع ثم يجعل الحب الطيب في مكان يناسبه، والعيدان والقصب في مكان آخر، فالأول للإطعام والانتفاع، والثاني للإحراق والإتلاف.
فكذلك الله تبارك وتعالى بحكمته ورحمته وفضله يجعل في الجنة من كان طيباً، وزرع خيراً، وجنى طيباً، ويجعل في النار من العباد من لا خير فيه، كالعيدان والشوك الذي لا يصلح إلا للنار.
وجميع ما خلقه الله عزَّ وجلَّ فله فيه حكمة، والحكمة تتضمن شيئين:
أحدهما: حكمة تعود إليه سبحانه يحبها ويرضاها وهي الإيمان والتوحيد.