وقد ضمن الله عزَّ وجلَّ زيادة الهداية للمجاهدين في سبيله، والمتقين الذين يتبعون رضوانه، وأخبر أنه لا يضل إلا الفاسقين: {وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ (26) الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (27)} [البقرة: 26، 27].
وأنه إنما يضل من آثر الضلال واختاره على الهدى، فيطبع حينئذ على سمعه وقلبه، وأنه يقلب قلب من لم يرض بهداه إذا جاءه ولم يؤمن به ودفعه ورده، فيقلب فؤاده وبصره عقوبة له على رده، ودفعه لما تحققه وعرفه.
وأنه سبحانه هو العليم الحكيم الذي لو علم في تلك المحال والنفوس التي حكم عليها بالضلال والشقاء خيراً لأفهمها وهداها، ولكنها لا تصلح لنعمته، ولا تليق بها كرامته، فهم شر الدواب كما قال سبحانه: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (22) وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23)} [الأنفال: 22، 23].
وقد أزاح سبحانه العلل، وأقام الحجج، ومكن من أسباب الهداية، فمن أقبل على الله هداه، ووفقه لما يحبه ويرضاه، ومن أعرض عنه، فإن الله لا يهدي القوم الكافرين ولا الظالمين ولا الفاسقين، ولا يطبع إلا على قلوب المعتدين، ولا يركس في الفتنة إلا المنافقين بكسبهم، وأن الرين الذي غطى به قلوب الكفار هو عين كسبهم وأعمالهم كما قال سبحانه: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14)} [المطففين: 14].
وأخبر سبحانه أنه لا يضل من هداه حتى يبين له ما يتقي، فيختار لشقوته وسوء طبيعته الضلال على الهدى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (115)} [التوبة: 115].
وأما المكر والكيد والخداع الذي وصف به نفسه، فهو مجازاته للماكرين والكائدين، والمخادعين لأوليائه ورسله، فيقابل مكرهم السيئ بمكره الحسن، فيكون المكر منهم أقبح شيء، ومنه أحسن شيء، لأنه عدل ومجازاة.