سكنت في البطون.
فإذا جاء الخريف اعتدل الزمان، وصفا الهواء وبرد، فانكسر ذلك السموم، وجعل الله الخريف برزخاً بين سموم الصيف، وبرد الشتاء، لئلا ينتقل الحيوان وهلة واحدة من الحر الشديد، إلى البرد الشديد، فيحصل له الأذى والضرر.
وكذلك جعل الله سبحانه الربيع برزخاً بين الشتاء والصيف، فينتقل فيه الحيوان من برد هذا، إلى حر هذا بتدريج وترتيب.
فتبارك الله أحسن الخالقين، وأحكم الحاكمين: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا (62)} [الفرقان: 62].
وأعدل الأماكن التي يعيش فيها النبات والحيوان هي التي تتعاقب عليها الفصول الأربعة، وكل موضع لا تقع عليه الشمس، لا يعيش فيه حيوان ولا نبات، لفرط برده ويبسه، وكل موضع لا تفارقه كذلك، لفرط حره ويبسه.
فسبحان من يقلب الليل والنهار لمصالح العباد والحيوان والنبات: {يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ (44)} ... [النور: 44].
وسبحان القادر العليم الحكيم، الذي نور العالم كله بهذا الكوكب العظيم، فجعله سراجاً وهاجاً، يسير بأمر الله عزَّ وجلَّ، فتنتظم به مصالح العباد، ولو كانت الشمس تطلع في موضع من السماء فتقف فيه ولا تعدوه لما وصل شعاعها إلى كثير من الجهات، فيكون الليل سرمداً على من لم تطلع عليه، والنهار سرمداً على من طلعت عليه، فيفسد هؤلاء ... وهؤلاء.
ولكن الله عزَّ وجلَّ بحكمته وعلمه وتدبيره قدر طلوعها من أول النهار من المشرق، فتشرق على ما قابلها من الأفق الغربي.
ثم لا تزال تجري وتغشى جهة بعد جهة، حتى تنتهي إلى المغرب، فتشرق على ما استتر عنها في أول النهار، فيختلف عندهم الليل والنهار، فتنتظم مصالحهم: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38)} ... [يس: 38].
والله حكيم عليم جعل في إنارة القمر والكواكب في ظلمة الليل حكماً عظيمة،